وَإِنْ لَبِسَتْ الْمَرْأَةُ عِمَامَةً، لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ، فَكَانَتْ مُحَرَّمَةً فِي حَقِّهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا عُذْرٌ، فَهَذَا يَنْدُرُ، فَلَمْ يَرْتَبِطْ الْحُكْمُ بِهِ
(445) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ، الطَّاقِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، قَالَ هَارُونُ الْحَمَّالُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْكَلْتَةِ؟ فَلَمْ يَرَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَسْتُرُ جَمِيعَ الرَّأْسِ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يَدُومُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْقَلَانِسُ الْمُبَطَّنَاتُ، كَدَنِيَّاتِ الْقُضَاةِ، وَالنَّوْمِيَّاتِ، فَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَمْسَحُ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ، إلَّا أَنَّ أَنَسًا مَسَحَ عَلَى قَلَنْسُوَتِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا مَشَقَّةَ فِي نَزْعِهَا، فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْكَلْتَةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْ الْعِمَامَةِ غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا ذُؤَابَةٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: إنْ مَسَحَ إنْسَانٌ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَنَا أَتَوَقَّاهُ. وَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ ذَاهِبٌ لَمْ يُعَنِّفْهُ. قَالَ الْخَلَّالُ: وَكَيْفَ يُعَنِّفُهُ؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ، وَرِجَالٍ ثِقَاتٍ. فَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ شَاءَ حَسِرَ عَنْ رَأْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ مَسَحَ عَلَى قَلَنْسُوَتِهِ وَعِمَامَتِهِ. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ، فَمَسَحَ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ مُعْتَادٌ يَسْتُرُ الرَّأْسَ، فَأَشْبَهَ الْعِمَامَةَ الْمُحَنَّكَةَ، وَفَارَقَ الْعِمَامَةَ الَّتِي لَيْسَتْ مُحَنَّكَةً وَلَا ذُؤَابَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا.
(446) فَصْلٌ: وَفِي مَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى مِقْنَعَتِهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ» ؛ وَلِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ لِلرَّأْسِ مُعْتَادٌ، يَشُقُّ نَزْعُهُ، فَأَشْبَهَ الْعِمَامَةَ.
وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ: كَيْفَ تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَأْسِهَا؟ قَالَ: مِنْ تَحْتِ الْخِمَارِ، وَلَا تَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا. وَمِمَّنْ قَالَ لَا تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا. نَافِعٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ لِرَأْسِ الْمَرْأَةِ، فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، كَالْوِقَايَةِ، وَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْوِقَايَةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهَا لَا يَشُقُّ نَزْعُهَا، فَهِيَ كَالطَّاقِيَّةِ لِلرَّجُلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ