(2781) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ، صَحَّ، وَكَانَ اشْتِرَاطًا لِنَفْسِهِ، وَتَوْكِيلًا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. وَلِلشَّافِعِي فِيهِ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي: إذَا أَطْلَقَ الْخِيَارَ لِفُلَانِ، أَوْ قَالَ لِفُلَانٍ دُونِي. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ شَرْطُ لِتَحْصِيلِ الْحَظِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِنَظَرِهِ، فَلَا يَكُونُ لِمَنْ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ.
وَإِنْ جَعَلَ الْأَجْنَبِيَّ وَكِيلًا، صَحَّ. وَلَنَا، أَنَّ الْخِيَارَ يَعْتَمِدُ شَرْطَهُمَا، وَيُفَوِّضُ إلَيْهِمَا، وَقَدْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ شَرْطِهِمَا، وَتَنْفِيذُ تَصَرُّفِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ مَعَ إمْكَانِ تَصْحِيحِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . فَعَلَى هَذَا، يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِطِ وَوَكِيلِهِ الَّذِي شَرَطَ الْخِيَارَ لَهُ الْفَسْخُ.
وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا، فَشَرَطَ الْخِيَارَ لَهُ، صَحَّ، سَوَاءٌ شَرَطَهُ لَهُ الْبَائِعُ، أَوْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ. وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ وَكِيلًا، فَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، صَحَّ، فَإِنَّ النَّظَرَ فِي تَحْصِيلِ الْحَظِّ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ. وَإِنْ شَرَطَهُ لِلْمَالِكِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ، وَالْحَظُّ لَهُ. وَإِنْ شَرَطَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ، وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ.
(2782) فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك عَلَى أَنْ أَسْتَأْمِرَ فُلَانًا. وَحَدَّدَ ذَلِكَ بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، فَهُوَ خِيَارٌ، صَحِيحٌ، وَلَهُ الْفَسْخُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْمِرَهُ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا ذَلِكَ كِنَايَةً عَلَى الْخِيَارِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ لَمْ يَضْبِطْهُ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَهُوَ خِيَارٌ مَجْهُولٌ، حُكْمُهُ حُكْمُهُ.
(2783) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ يَوْمًا أَوْ سَاعَاتٍ مَعْلُومَةً، اُعْتُبِرَ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْخِيَارِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَالْآخَرُ، مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ فِي الْمَجْلِسِ حُكْمًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالشَّرْطِ. وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ، لِأَنَّ لَهُمَا فِيهِ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَكَانَ كَحَالَةِ الْعَقْدِ فِي ابْتِدَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْهُ، كَالْأَجَلِ.
وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ حُكْمُهُ، كَالْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ. وَلِأَنَّنَا لَوْ جَعَلْنَا ابْتِدَاءَهُ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ، أَدَّى إلَى جَهَالَتِهِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ مَتَى يَتَفَرَّقَانِ، فَلَا نَعْلَمُ مَتَى ابْتِدَاؤُهُ، وَلَا مَتَى انْتِهَاؤُهُ. وَلَا يُمْنَعُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِسَبَبَيْنِ، كَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ بِالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَالظِّهَارِ، وَعَلَى هَذَا، لَوْ شَرَطَا ابْتِدَاءَهُ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ، لَمْ يَصِحَّ لِذَلِكَ، إلَّا