وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَالْعَنْبَرِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، مِثْلُ قَرْيَةٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا فِي أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِحَاجَتِهِ، فَيُقَدَّرُ بِهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَا أَجِدُ لَكُمْ أَوْسَعَ مِمَّا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِبَّانَ، جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إنْ رَضِيَ أَخَذَ، وَإِنْ سَخِطَ تَرَكَ. وَلِأَنَّ الْخِيَارَ يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَاللُّزُومَ وَإِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ، وَإِنَّمَا جَازَ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ، فَجَازَ الْقَلِيلُ مِنْهُ، وَآخِرُ حَدِّ الْقِلَّةِ ثَلَاثٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] بَعْدَ قَوْلِهِ: {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} [هود: 64] .
وَلَنَا، أَنَّهُ حَقٌّ يَعْتَمِدُ الشَّرْطَ، فَرُجِعَ فِي تَقْدِيرِهِ إلَى مُشْتَرِطِهِ، كَالْأَجَلِ، أَوْ نَقُولُ: مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ، فَكَانَتْ إلَى تَقْدِيرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالْأَجَلِ. وَلَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ خِلَافُهُ. وَتَقْدِيرُ مَالِكٍ بِالْحَاجَةِ لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ الْحَاجَةَ لَا يُمْكِنُ رَبْطُ الْحُكْمِ بِهَا، لِخَفَائِهَا وَاخْتِلَافِهَا، وَإِنَّمَا يُرْبَطُ بِمَظِنَّتِهَا، وَهُوَ الْإِقْدَامُ، فَإِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ضَابِطًا، وَرَبْطُ الْحُكْمِ بِهِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ وَفِي السَّلَمِ وَالْأَجَلِ. وَقَوْلُ الْآخَرِينَ: إنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ. لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَقْلُ الْمِلْكِ، وَالْخِيَارُ لَا يُنَافِيهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ مَتَى خُولِفَ الْأَصْلُ لِمَعْنًى فِي مَحِلٍّ وَجَبَ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ؛ لِتَعَدِّي ذَلِكَ الْمَعْنَى.
(2780) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَا لِأَحَدِهِمَا مُدَّةً وَلِلْآخَرِ دُونَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُمَا، وَإِنَّمَا جُوِّزَ رِفْقًا بِهِمَا، فَكَيْفَمَا تَرَاضَيَا بِهِ جَازَ.
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ دُونَ الْآخَرِ، صَحَّ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَبِيعٍ فِيهِ الْخِيَارُ، وَمَبِيعٍ لَا خِيَارَ فِيهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، بِالْقِيَاسِ عَلَى شِرَاءِ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ، وَمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَيَحْصُلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ. فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ مِمَّا فِيهِ الْخِيَارُ، رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ وَجَدَ أَحَدَهُمَا مَعِيبًا فَرَدَّهُ، وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى وَاحِدًا مِنْ عَبْدَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ. وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ، وَرُبَّمَا طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ضِدَّ مَا يَطْلُبُهُ الْآخَرُ، وَيَدَّعِي أَنَّنِي الْمُسْتَحِقُّ لِلْخِيَارِ، أَوْ يَطْلُبُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ رَدَّ أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: لَيْسَ هَذَا الَّذِي شَرَطْت لَك الْخِيَارَ فِيهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ بِعَيْنِهِ، كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَهَذَا الْفَصْلُ كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.