وأما قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] الآية، فليس مخالفًا لِمَا ذَكَرْنَا؛ ولأن المذهب الصحيح عند المحققين في معناها: أنكم إذا فعلتم ما كُلِّفتُم به فلا يضرُّكم تقصيرُ غيرِكم، مثل قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18]. وإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب ولا عتب بعد ذلك على الفاعل؛ لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول.
ثم إنهما فرض كفاية تُسْقِطُ الحَرَجَ عن الباقين إذا قام به البعض، وإنْ تَرَكَهُ الكُلُّ أَثِمُوا مع التَّمكِين بلا عُذر ولا خَوْفٍ، ثم إنه قد يتعيَّن كما إذا كان في موضِع لا يعلَمُ به غيره، أو كمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف، ولا يسقط ذلك عن المكلف لكونه لا يفيد في ظنه، فذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وقال تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إلا الْبَلَاغُ} [المائدة: 99].
ولا يشترط فيه الكمال؛ بل يأمر وينهى، وإن كان يرتكب ذلك فيأمر نفسه وينهاها كغيره، ولا يختص ذلك بأرباب الولايات؛ بل ذلك ثابت للآحاد، وهو إجماع، ولا بد من عمله بما يأمر به وينهى عنه.
والدَّقائِقُ مخصوصةٌ بالعلماء، وإنما يُنكر ما أُجمِعَ عليه دون ما اختُلِف؛ فقد قيل: كل مجتهد مصيب (?)، والأصح: أنه لا يغير ما كان على مذهب غيره،