سائر الأنبياء-[قال] (?): "ابن آدم؛ أنتَ أسوَأُ بِرَبِّكَ ظَنًّا حين كُنتَ أكملَ عَقْلًا؛ لأنَّكَ تَرَكْتَ الحرصَ جَنِينًا محمُولًا، وَرَضِيعًا مَكْفُولًا، ثمَّ ادَّرَعْتَهُ (?) عَاقِلًا قد أَصَبْتَ رُشْدَكَ، وبَلَغْتَ أَشُدَّكَ" (?).
ومعنى "فاستَطْعِمُوني أُطْعِمكُم": سَلُوني الطَّعَام "أُطْعِمكم" بتقْدِير أسبَابِه وتَيْسِير طِلابه: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32]، ولا يَسْتَنْكِف جبارٌ ولا غَنِيٌّ أنْ يَسْتَطْعِمَنِي؛ فإن ذلك لجهله، لأَنَّ مَا في يَدِهِ ملكي.
وفيه تَأْدِيبٌ للفُقَرَاء؛ أي: اطلُبُوا مِنِّي، فَأَنَا الذي أُطْعِمُهُم: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58] فالرَّبُّ جل جلاله يُسَخِّرُ السَّحَابَ، ويَسْقِي البلاد، ويُحَرِّكُ القلوب للإعطَاء، ويُحْوِجُ بعضًا إلى بَعْضٍ للنَّفْعِ، وتصرُّفه في عالمه عجيبٌ يَعْجَزُ عنه الفَطِنُ اللَّبِيبُ.
رابِعُها: قوله: "كلكم عارٍ إلَّا ... " إلى آخره، فيه أَنَّ الكُسَى (?) مِنَ الرَّبَ جل جلاله مُتَنَوِّعَةٌ؛ فقد يَكْسُو جسدًا عَريًّا ويكسو ستره الجميل؛ فمن كِسْوَتُهُ لِبَاسُ التَّقْوَى فَلَا قُدْرَةَ لأَحَدٍ على نَزْعِهِ.
والحاصلُ مِن كُلِّ ذلك: التنبيهُ على فقرِ العبدِ، وعَجْزِهِ عن طَلَبِ المَنَافِعِ، وَدَفْعِ المضَارَ إلَّا بِتَيْسِيرهِ.
خامِسُها: "تُخْطِئُونَ" بالهمز، وضَبَطَهُ بعضُ الفُضَلاء بفتح التاء والطاء،