ومراعاة لحال النطفة من الأربعين إلى تمام المائة والعِشرين، وقد أوضَحتُ الكلام عليه في "شرح صحيح البخاري" فراجِعْهُ منه تجد ما يشفي العليل.
وادَّعَى القاضي عياض أنه: "لم يُختلف في أنَّ نَفْخَ الرُّوح فيه إنما يكون بعد مائة وعِشرين يومًا، وذلك تَمَامُ أربعة أشهر، ودخوله في الخامس، وهذا موجود بالمُشَاهَدَةِ، وعليه يُعَوَّلُ فيما يُحتاج إليه من الأحكام والاستلحَاق عندَ التَّنَازع، ووجُوب النَّفَقات على حَمْل المُطَلَّقات، وذلك لتيقنه بحركة الجنين في الجوف.
وقد قيل: إنه الحِكمَة في عِدَّة المرأةِ مِن الوَفاة بأربعة أشهر وعشر -كما مرَّ- وبعدَ الدُّخول في الخامسة تحقق براءة الرَّحِم ببلوغ هذه المُدَّة إذا لم يَظْهَر حمل" (?).
ونَفخُ المَلَك في الصُّورة سبب يخلق الله فيها عِندَهُ الرُّوح والحياة، لأنَّ النَّفخَ المُتَعَارف إنَّمَا هوَ إخراجُ ريح مِن النَّافِخ يتَّصِلُ بالمَنْفُوخ فيه، ولا يَلْزَم منهُ عقلًا ولا عادةً في حقِّنا تأثيرٌ في المَنْفُوخ فيه، وإنْ قُدِّرَ حُدوثُ شيء عِنْدَ ذلِكَ النَّفخ، فذلكَ بإحداثِ الله لا بالنَّفخ، وغَايةُ النَّفخ: أن يكونَ مُغَذِّيًا عاديًا لا موجِبًا عَقليًّا، وكذلك القولُ في الأسباب المُعْتَادة؛ فليتأمَّل هذا الأصل، ويتمسك به ليَنْجو مِن مذاهب أهل الضَّلال (?).
وقَد ظَهَر سِرُّ هذا الترتيب، وإن كانت القدرة صالحة لإيجاده وجميع المخلوقات في أَسرع لحظة وأسرع آنٍ، لأنَّهُ كان كذلك في سابقِ عِلْمِهِ.
الحادي عشَر: ظاهِرُ قوله: "ويُؤْمَرُ بأرْبعِ كَلِمَاتٍ" الأمرُ بِكِتَابَتِها ابتداءً،