وفيه التنبيه على صورة الحكم في هذه الأشياء وذلك أنه بدأ بالطالب فقال له: ليس لك إلا يمين الآخر، ولم يحكم بها للمدعى عليه إذا حلف بل إنما جعل اليمين (?) لصرف دعوى المدعي لا غير، فكذلك ينبغي لمن حكم بعده إذا حلف المدعى عليه أن لا يحكم له بملك ذلك الشيء ولا بحيازته أيضاً بل يقره على حكم يمينه.
فإن قيل: فكيف يجيء مذهبكم على هذا إذا كنتم ترون أن من ادُّعي عليه بغصب أو استهلاك لم يحلف المدعَى عليه إلا أن يكون ممن يتهم بالغصب والتعدي ويليق به ما ادعي عليه من ذلك وقد أحلفه النبيء - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ولم يسأله عن حاله، قيل له (?): ليس في هذا الحديث ما يدل على خلاف ما ذهبنا إليه وذلك أنه يجوز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قد علم من حاله ما أغناه عن السؤال عنه.
وفي الحديث ما يدل على أنه كان كذلك ألا ترى إلى قول خصمه: إنه رجل فاجر (?) ليس يتورع عن شيء، ثم لم ينكر - صلى الله عليه وسلم - شيئاً من قوله فلو كان عنده بريئا مما قال ما ترك النكر عليه. على أن في الحديث ما يغني عن هذا كله. وذلك أنه إنما (?) ادعى عليه بالغصب في الجاهلية وكذلك نقول فيمن ادُّعي على رجل لا بأس به أنه كان غصبه مالاً في حال كان فيها فاسقاً ظالماً فإنا نحلفه (?) له إذا كان ظلمه وغصبه معلوماً.
وفي هذا الحديث أن يمين الفاجر تسقط عنه حكم دعوى المدعي،