الزبد رغوة ذات فقاقيع تظهر على وجه الماء حين يخضه الجريان أو حين يضطرب لسبب ما ولا تلبث أن تذهب رغوته إلى لا شيء وموقع الزبد في هذا المثل صورة دقيقة لموقع الباطل إلى جانب الحق في قوله:
كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ [الرعد: 17] فالزبد: هو الباطل، والأودية قلوب الناس والماء هو الوحي.
ليس الزبد عنصرا من عناصر الماء وإن وجد على سطحه وهو ظاهرة عابرة عارضة. غازات وهباء وليونته وطراوته مستمدة من الماء، فهو لا شيء. وكذلك شأن الباطل إلى جانب الحق. فالحق جوهر الأصالة لكل شيء في الوجود. والباطل لا أصل له. ونسبته إلى الحق كنسبة فقاعة الزبد إلى الماء فهو غرور الأهواء يحاول أن يبدو للناس في أثواب الأصالة التي يبدو فيها الحق فينخدع بذلك أهل الغفلة وقصار النظر. والعقبى للحق الذي يتضمن عناصر البقاء. وإذا كانت فقاعة الزبد تستعير ليونة الماء لتستر لا شيء، وهكذا الباطل يدعم وجوده إنما يحاول دعم لا شيء. فهو هيّن كهوان الفقاعة المتطايرة الضائعة، وإذا أخذت حفنة كبيرة من هذا الزبد لا فقاعة واحدة. فانظر ماذا يبقى بكفك من هذا الهباء الذي يتألف من الزبد.
ليس للباطل فائدة وليس له قوة فإزالته كزوال الزبد إذا أخذته بكفك من الماء. وإلى هذا يشير القرآن الكريم.
لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ [آل عمران: 196 - 197] ..