إن الأودية تختلف سعة وضيقا، فأعظمها شأنا أكثرها ماء. وأبعدها عمقا واتساعا، وأصلحها لإمداد الأرض بالماء. وثمرة ذلك كثرة الثمار والأشجار على جانبيه وامتداد الحقول والبساتين من حوله. وكذلك الناس تتفاوت قلوبهم في تقبل أمر الله، فمنهم من يمتلئ ويتقبل الكثير، ومنهم من يقبل دون ذلك أو لا يتسع لما يتسع له الأول. وعلى هذا تتفاوت أقدار الناس. فأعلاهم قدرا أكثرهم إحاطة ووعيا لما أنزله الله، وأعظمهم إفاضة على العباد ونفعا لهم. وثمرة ذلك أن تينع شجرة التقوى في القلب وتستفيض دائرة الهدى والخير من حوله وتهوى أفئدة الناس إلى منهاجه والاقتداء به. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفرح بكثرة أتباعه ويفخر بهم ويحث على أن يتكاثروا، هذا ولكل واد طاقة يتقبل الماء بقدرها فإذا أمد بما فوق طاقته كان طغيانا وفيضانا وتخريبا وتدميرا وإتلافا. كذلك لكل نفس طاقة تقف عندها في تقبل هدى الله وعلمه فإذا أراد المرء أن يحمل فوق طاقته تمزق بالسأم والصد عن الله.
«إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى».
فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أزاغها وإن شاء أقامها، مثل ذلك في قوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص: 56]، والوادي قبل أن يأتيه السيل يكون جافا ممتلئا بالقش وغير ذلك، فإذا أتاه السيل أخذ ذلك وأصبح الوادي طريا وطفا القش والأوراق على سطح الماء. وكذلك هدى الله إذا جرى في قلوب العباد طهرها وأزال ما فيها من أكدار الطبائع ودنسها فلا يبقى شيء منها في القلوب، بل تطفو متخذة سبيلها إلى الزوال السريع.