فتأمل كيف صح في الوجود هذا التوكيد الأخير، فلم يدخلها عليهم مسكين على غير ما قصدوا وتخيلوا فيه. وكذلك لام التعريف المدغمة في اللفظ في مثلها أو غيرها، لما كانت للتعريف- وشأن المعرف أن يكون أبين وأظهر، لا أخفى وأستر- ظهرت في الخط، ووصلت بالكلمة، لأنها صارت جزءا منها من حيث هي معرفة بها، هذا هو الأصل، وقد حذف حيث يخفى معنى الكلمة مثل «الليل» فإنه بمعنى مظلم لا يوضّح الأشياء بل يسترها ويخفيها، وكونه واحدا إما للجزئي أو للجنس فأخفي حرف تعريفه في مثله، فإن تعين للجزئي بالتأنيث رجع إلى الأصل. ومثل «الذي» و «التي» وتثنيتهما وجمعهما، فإنه مبهم في المعنى والكم، لأن أول حده للجزئي وللجنس وكثيرة للثلاث أو غيرها، ففيه ظلمة الجهل كالليل، ومثل للجزئي في الإيجاب، فإن لام التعريف دخلت على «لا» النافية وفيها ظلمة العدم كالليل، ففي هذه الظلمات الثلاث يخفى حرف التعريف وكذلك «الأيكة» نقلت حركة همزتها على لام التعريف وسقطت همزة الوصل لتحريك اللام، وحذفت ألف عضد الهمزة ووصل اللام، فاجتمعت الكلمتان، فصارت «ليكة» علامة على اختصار وتلخيص وجمع في المعنى، وذلك في حرفين: أحدهما: في الشعراء جمع فيه قصتهم مختصرة وموجزة في غاية البيان، وجعلها جملة، فهي آخر قصة في السورة بدليل قوله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً [الشعراء: 8] فأفردها، والثاني في ص، جمع الأمم فيها بألقابهم وجعلهم جهة واحدة، هم آخر أمة فيها، ووصف الجملة، قال تعالى:
أُولئِكَ الْأَحْزابُ [ص: 13]، وليس الأحزاب وصفا لكل منهم، بل هو وصف جميعهم.
وجاء بالانفصال على الأصل حرفان نظير هذين الحرفين: أحدهما:
وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ [الحجر: 78].
أفردهم في الذكر والوصف. والثاني: وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ [ص: 13] جمعوا