جاء هذا الكتاب في نحو من عشرة أجزاء ضخمة، وقفت على أكثره، ترجمته المُظفَّري.
وكان لابنه المتوكل قدم راسخة في صناعة النظم والنثر، مع شجاعة مفرطة وفروسية تامة، وكان لا يُغِبُّ الغزو ولا يشغله عنه شيء. واتصلت مملكته إلى أن قتله المرابطون أصحاب يوسف بن تاشفين، وقتلوا ولديه الفضل والعباس صبرًا؛ ضربوا أعناقهم في غرة سنة 485.
وكانت أيام بني المظفر بمغرب الأندلس أعيادًا ومواسم، وكانوا ملجأ لأهل الآداب، خلدت فيهم، ولهم قصائد شادت مآثرهم وأبقت على غابر الدهر حميد ذكرهم؛ وفيهم يقول الوزير الكاتب الأبرع ذو الوزارتين أبو محمد عبد المجيد بن عبدون1، من أهل مدينة يَابُرة، قصيدته الغراء، لا بل عقيلته العذراء, التي أزرت على الشعر، وزادت على السحر، وفعلت في الألباب فعل الخمر، فجلت عن أن تُسامَى، وأنفت من أن تُضاهَى2؛ فقل لها النظير، وكثر إليها المشير، وتساوى في تفضيلها وتقديمها باقل وجرير3؛ فلله هي من عقيلة خدر قربت بسهولتها حتى أطمعت؛ وبعدت حتى عزت فامتنعت؛ أوردتها في هذا المصنف وإن كان فيها طول مخرج عن الحد الذي رسمته؛ مخل بالتلخيص الذي شرطته؛ لصحة مبانيها، ورشاقة ألفاظها, وجودة معانيها، سلك فيها أبو محمد -رحمه الله- طريقة لم يُسبق إليها، وورد شِرْعة لم يُزاحَم عليها؛ فلذلك قل مثلها لا بل عُدم، وعز نظيرها فما تُوهم ولا عُلم، وهي: من البسيط
الدهر يَفجَع بعد العين بالأثرِ ... فما البكاء على الأشباح والصورِ؟
أنهاك أنهاك, لا آلوك موعظةً ... عن نومةٍ بين ناب الليث والظُّفُرِ
فالدهر حرب وإن أبدى مسالمةً ... والبيض والسود مثل البيض والسمرِ
ولا هُوادةَ بين الرأس تأخذه ... يد الضِّراب وبين الصارم الذَّكَرِ4