القدر, شريفة المقصد في أصول الفقه وفروعه، على مَهْيَعِه1 الذي يسلكه، ومذهبه الذي يتقلده، وهو مذهب داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري ومن قال بقوله من أهل الظاهر ونُفاة القياس والتعليل. بلغني عن غير واحد من علماء الأندلس أن مبلغ تصانيفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على المخالفين له -نحوٌ من أربعمائة مجلد، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة. وهذا شيء ما علمناه لأحد ممن كان في مدة الإسلام قبله إلا لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري2، فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفًا، فقد ذكر أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر الفرغاني في كتابه المعروف بالصلة، وهو الذي وصل به تاريخ أبي جعفر الطبري الكبير: أن قومًا من تلاميذ أبي جعفر لخصوا أيام حياته منذ بلغ الحلم إلى أن توفي في سنة 310 وهو ابن ست وثمانين سنة، ثم قسموا عليها أوراق مصنفاته، فصار لكل يوم أربع عشرة ورقة. وهذا لا يتهيأ لمخلوق إلا بكريم عناية الباري تعالى وحسن تأييده له.

ولأبي محمد بن حزم بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة، وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة؛ فمن شعره: من الطويل

هل الدهر إلا ما عرَفْنا وأدركنا ... فجائعه تبقى ولذاته تفنَى3

إذا أمكنت فيه مَسَرَّة ساعةٍ ... تولت كمر الطَّرْف واستخلفت حزنَا

إلى تَبِعات في المَعاد وموقف ... نود لديه أننا لم نكن كُنَّا4

حصلنا على هم وإثم وحسرة ... وفات الذي كنا نقر به عينَا5

حنينٌ لما ولى، وشغل بما أتى ... وعم لما يُرجى، فعيشك لا يهنَا

كأن الذي كنا نُسَر بكونه ... إذا حققته النفس، لفظ بلا معنَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015