كذلك قال: دعوه، هو من طبقتي في النحو، أنا أناظره. قال: ثم سألنا صاعد فقال: ما معنى قول امرئ القيس1: من الطويل
كأن دماء الهاديات بنحرهِ ... عصارة حِنَّاءٍ بشيب مُرجَّلِ2..؟
فقلنا: هذا واضح، وإنما وصف فرسًا أشهب عُقرت عليه الوحش فتطاير دمها على صدره فجاء هكذا. فقال صاعد: سبحان الله! أنسيتم قوله قبل هذا3:
كُمَيْتٌ يَزِلُّ اللِّبْدُ عن حال مَتْنِهِ ... كما زلَّتِ الصفواءُ بالمُتنزّلِ4؟
قال: فبُهتنا5 كأنا لم نقرأ هذا البيت قط، واضطُررنا إلى سؤاله عنه، فقال: إنما عنى أحد وجهين: إما أنه تغشى صدره بالعرق، وعرق الخيل أبيض، فجاء مع الدم كالشيب؛ وإما شيء كانت العرب تصنعه، وهو أنها كانت تَسِمُ6 باللبن الحار في صدور الخيل فيتمعَّط ذلك الشَّعر وينبت مكانه شعر أبيض؛ فأيما عنى من أحد هذين الوجهين فالوصف مستقيم.
قال أبو عبد الله: وحدثنا أبو محمد علي بن أحمد قال: حدثني أبو الخيار مسعود بن سليمان بن مُفلت7 الفقيه، أن أبا العلاء صاعدًا سأل جماعة من أهل الأدب في مجلس المنصور أبي عامر عن قول الشَّمَّاخ بن ضِرار8: من البسيط
دار الفتاة التي كنا نقول لها: ... يا ظبيةً عُطُلاً حُسَّانةَ الجِيدِ9