بالقاهرة اليوم1. ومن مهدية بني عبيد إلى مدينة تسمى سوسة -وإليها تنسب الثياب السوسية- مرحلتان؛ ومن سوسة إلى مدينة تونس، ثلاث مراحل. ولم تكن تونس هذه في قدم الدهر على أيام الإفرنج مدينة، وإنما بنيت في أول الإسلام، بناها عقبة بن نافع الفهري لمصلحة رآها؛ وإنما كانت المدينة الكبرى مدينة على الساحل هناك تسمى قرطاجة، بينها وبين تونس نحو من أربعة فراسخ.
شأن مدينة قَرْطَاجَة في القديم
وهذه المدينة -أعني قرطاجة- هي كانت حاضرة إفريقية أيام الروم، وهي مدينة عظيمة، ظهر فيها من قوتهم وشدة طاعة رعيتهم لهم وفرط جبروتهم ما يعجب منه من تأمله، ويعتبر فيه من وقف عليه؛ وذلك أنهم جلبوا إليها المياه من بعد شديد، وتحيلوا على ذلك بغرائب من الحيل يعجز عن أيسرها جميع من في هذا العصر. وكانوا يضاهون بها مدينة القسطنطينية العظمى، المنسوبة إلى قسطنطين بن هيلان ملك الإفرنج. ثم لما افتتح المسلمون إفريقية في أيام عثمان بن عفان -رضى الله عنه-، خربوا هذه المدينة المذكورة2، واتخذوا مدينة القيروان دار ملكهم ومقر ولاتهم ومجتمع جندهم ومركز جيوشهم, وأسسوا على ساحل البحر مدينة تونس المذكورة. وكان هناك قبل ذلك دير معظم عند الروم يزورونه من أقاصي بلادهم، فهدمه المسلمون وبنوه مسجدًا، وسموا المدينة تونس، باسم الراهب الذي كان في ذلك الدير؛ فما زالت تونس معمورة إلى وقتنا هذا.
ولما خربت مدينة القيروان إلى ما سيأتي الإيماء إليه، صارت مدينة تونس حاضرة إفريقية ومقر ولاتها وموضع مخاطبة أولي الأمر منها؛ وكل ما بتونس من جيد الرخام وخالص المرمر فمن مدينة قرطاجة المذكورة.
ومن مدينة تونس هذه إلى مدينة صغيرة على ساحل البحر تدعى بونة3 -ومعنى هذه اللفظة بلسان الإفرنج: جيدة- ست مراحل. وفيما بين تونس وبونة