ملكهم وفي ملك أبي يعقوب منهم، المملوك قَرَاقُش المتقدم ذكره في ترجمة أبي يوسف، ثم أخرجه منها المصامدة، واستولى عليها أيضًا يحيى بن غانية، وعلى كثير من إفريقية حسبما تقدم تلخيصه، ثم أخرجه عنها أيضًا المصامدة، فهي في ملكهم إلى وقتنا هذا، وهو سنة 621.
بلاد إفريقية الساحلية
فحد بلاد إفريقية مما يلي المشرق، مدينة أنطابلس المذكورة، وحدها مما يلي المغرب، المدينة المعروفة بـ قسطنطينة الهواء، سميت بذلك لإفراط علوها وشدة منعتها؛ ومسافة ما بين أنطابلس وقسطنطينة المغرب قريبة من خمس وخمسين مرحلة، فهذا حد إفريقية طولاً؛ وعرضها يختلف بحسب مزاحمة الصحراء العمارة ومباعدتها؛ وسميت إفريقية بذلك لنزول إفريقش من ولد حام بن نوح بها. وإفريقش هذا هو أبو البربر، فالبربر كلهم من ولد حام بن نوح، خلا صنهاجة، فإنهم يرجعون إلى حمير؛ هذا كله قول أبي جعفر محمد بن جرير الطبري1 في تاريخه، من لدن ذكر إفريقش إلى ذكر صنهاجة.
فأول مدن إفريقية المعمورة، طرابلس المغرب المتقدم ذكرها، ومنها إلى مدينة تسمى: قابس، عشر مراحل. وقابس هذه على ساحل البحر الرومي؛ وكذلك طرابلس. وتنصبُّ إلى قابس هذه أنهار من بعض تلك الجبال التي تليها، فهي بذلك أخصب بلاد إفريقية وأوسعها فواكه وأعنابًا. ومن قابس هذه إلى مدينة صغيرة على الساحل أيضًا تسمى سفاقُس؛ أربع مراحل؛ ومن سفاقس إلى مهدية بني عبيد، ثلاث مراحل. وقد تقدمت صفة المهدية في أخبار أبي محمد عبد المؤمن بن علي. وبظاهر المهدية المذكورة وقريب منها جدًّا، مدينة تدعى زُوَيْلة؛ بناها بنو عبيد حين بنوا المهدية؛ فاختصوا المهدية لأنفسهم وحشمهم وأعيان جندهم ووجوه قوادهم؛ وأسكنوا زويلة هذه سائر الناس من الرعية والسودان وأراذل كتامة وغيرهم من أتباعهم. ولما ارتحل المعز إلى مصر بعد أن افتتحها على يدي خادمه جَوْهَر2؛ ارتحلت معه طائفة كبيرة من أهل زويلة هذه؛ فإليهم ينسب الباب والحارة التي