سيرته وحميد سريرته. هذا إذا ساعده الدهر وقيض1 الله له أعوانًا صالحين؛ فإنه -ما علمت- صوام قوام، مجتهد في دينه، شديد البصيرة في أمره، قوي العزيمة، شديد الشكيمة2، لا تأخذه في الحق لومة لائم؛ أرطب الناس لسانًا بذكر الله، وأتلاهم لكتاب الله؛ شهدته والولاية قد اكتنفته، وأمور الرعية قد استغرقت أوقاته، وهو في كل ذلك لا يخل بشيء من أوراده، ولا يترك وظيفة من الوظائف التى رتبها على نفسه؛ من أخذ العلم وقراءة القرآن، وأذكار رتبها على أوقات الليل والنهار. شهدت هذا كله منه بنفسي، لا أنقله عن أحد ولا أستند فيه إلى رواية؛ هذا مع دماثة خلق3، ولين جانب وخَفْض جَناح لأصحابه ولمن علم فيه خيرًا من المسلمين أو ظنه مضافًا إلى سخاء نفس وطلاقة وجه.
صفته
أبيض تعلوه صفرة، جميل الوجه جدًّا، معتدل القامة، متناسب الأعضاء.
وله من الولد -على علمي- ثلاثة: محمد، وهو أكبرهم, وعبد الرحمن, وأحمد, وبنات.
هذا تلخيص التعريف بأخبار دولة المصامدة من أول قيام أمرهم -وهو سنة 515- إلى وقتنا هذا -وهو سنة 621- فذلك مائة سنة وست سنين، على الإجمال لا على التفصيل.
وإنما أوردنا من ذلك ما تدعو الحاجة إليه، وتجشم الضرورة من عُني بالأخبار إلى معرفته، من غير تعرض إلى ما لا حاجة بنا إليه، من ذكر أولاد عبد المؤمن، وأولاد أولاده، وأولاد أولاد أولاده، وتفاصيل أخبارهم في ولايتهم وعزلهم وأمهاتم وكتابهم وحجابهم ووزرائهم؛ إذ لو تتبعنا ذلك لخرج هذا المجموع عن حد التلخيص، ولحق بالكتب المبسوطة. هذا على أنا لو كفينا ضرورات المعاش، وأعفينا من كد الزمان، لأوردنا من ذلك ما أحاط به العلم وبلغته الرواية وحصلته المشاهدة.
ولم أثبت في هذه الأوراق المحتوية على دولة المصامدة وغيرها إلا ما حققته نقلًا من كتاب، أو سماعًا من ثقة عدل، أو مشاهدةً بنفسي؛ هذا بعد أن تحريت الصدق وتوخيت الإنصاف في ذلك. وجهدت ألا أنقص أحدًا ذرة مما له، ولا أزيده