رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسول الله، من السمع والطاعة في المنشط1 والمكره واليسر والعسر والنصح له ولولاته ولعامة المسلمين. هذا ما له عليكم، ولكم عليه: ألا يُجمِّر بعوثكم2، وألا يدخر عنكم شيئًا مما تعمكم مصلحته، وأن يعجل لكم عطاءكم، وألا يحتجب دونكم؛ أعانكم الله على الوفاء وأعانه على ما قلد من أموركم.
يعيد هذا القول لكل طائفة، إلى أن انقضت البيعة. ثم اتصلت وفادة3 أعيان البلاد ورؤسائها ووجوه القبائل عليه للبيعة إلى أن تم له الأمر.
فاطميٌّ من سلالة ملوك القاهرة يثور بمراكش
ولأربعة أشهر من ولايته قُبض على رجل كان قد ثار عليهم يدعي أنه من بني عبيد، ويقول: إنه ولد العاضد4 لصلبه، اسمه عبد الرحمن.
كان قد ورد البلاد في حياة أبي يوسف أيام كونه بإشبيلية، ورام الاجتماع به فلم يأذن له؛ وأقام بالبلاد مطرحًا إلى أن حبسه أمير المؤمنين أبو عبد الله في شهور سنة 596؛ فلم يزل في الحبس إلى أن كانت سنة 601 وتحرك أمير المؤمنين إلى إفريقية؛ شفع له فيه أبو زكريا يحيى بن أبي إبراهيم الهزرجي، فأطلقه له بعد أن ضمن عنه أنه لا يتحرك في أمر يكرهونه. فلم يقم هذا العبيدي بمراكش إلا أيامًا يسيرة بعد خروج أمير المؤمنين أبي عبد الله، ثم خرج وقصد بلاد صنهاجة، فالتفَّت عليه منهم جماعة وانتشر له فيهم تعظيم؛ لأن هذا الرجل كان كثير الإطراق والصمت، حسن الهيئة؛ لقيته مرتين فلم أر في أكثر من شهدته من المشبهين بالصالحين مثله في الآداب الظاهرة؛ من هدوء النفس وسكون الأطراف ووزن الكلام وترتيب الألفاظ ووضع الأشياء مواضعها، مع الرياضة المفرطة. ثم قصد مدينة سِجِلْمَاسة في حياة أمير المؤمنين أبي عبد الله بجيش عظيم، فخرج إليه متوليها السيد أبو الربيع سليمان بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن, فهزمه العبيدي المذكور وأعاده إلى سجلماسة أسوأ عود. ولم يزل ينتقل في قبائل البربر من موضع إلى موضع، وفي ذلك كله لا يستقيم له أمر ولا تثبت عليه جماعة؛ أوجب ذلك كونه غريب البلد واللسان، لا عشيرة له، ولا أصل بالبلاد يُرجع إليه؛ إلى أن قبض عليه بظاهر مدينة فاس؛ لم يبلغني تفصيل