والجهة الأخرى -وهي المملكة الكبرى- بلاد تسمى بلاد قَشتال، يملكها الأدفنش -لعنه الله-؛ وحد هذه الجهة فيما بين الجنوب والشمال، أميل إلى الجنوب قليلًا.
والجهة الأخرى تسمى ليون، فهو أول الحد الشمالي المغربي، يملكها رجل يدعى بالبَبُوج؛ ومعنى هذا الاسم بالعربية: الكثير اللعاب.
والجهة الأخرى في الشمال مما يلي البحر الأعظم -بحر أقيانس- يملكها رجل يعرف بابن الريق، وقد تقدم ذكره في مواضع من هذا الكتاب.
والجزيرة بأسرها، أعني جزيرة الأندلس، تسمى في قديم الدهر عند الروم جزيرة أشبانية.
وبعد رجوع أمير المؤمنين أبي عبد الله من هذا الفتح المتقدم الذكر إلى إشبيلية، استنفر الناس من أقاصي البلاد، فاجتمعت له جموع كثيفة، وخرج من إشبيلية في أول سنة 609، فسار حتى نزل مدينة جيان؛ فأقام بها ينظر في أمره ويعبئ عساكره. وخرج الأدفنش -لعنه الله- من مدينة طليطلة في جموع ضخمة، حتى نزل على قلعة رباح -وهي كانت للمسلمين، افتتحها المنصور أبو يوسف في الوقعة الكبرى- فسلمها إليه المسلمون الذين بها، بعد أن أمنهم على أنفسهم؛ فرجع عن الأدفنش -لعنه الله- بهذا السبب من الروم جموع كثيرة، حين منعهم من قتل المسلمين الذين كانوا بالقلعة المذكورة، وقالوا: إنما جئت بنا لتفتتح بنا البلاد وتمنعنا من الغزو وقتل المسلمين! ما لنا في صحبتك من حاجة على هذا الوجه!.
وقعة العقاب وهزيمة المسلمين
وخرج أمير المؤمنين من مدينة جيان، فالتقى هو والأدفنش بموضع يعرف بـ العقاب، بالقرب من حصن يدعى حصن سالم؛ فعبأ الأدفنش جيوشه ورتب أصحابه، ودهم المسلمين وهم على غير أهبة؛ فانهزموا، وقُتل من الموحدين خلق كثير.
وأكبر أسباب هذه الهزيمة اختلاف قلوب الموحدين؛ وذلك أنهم كانوا على عهد أبي يوسف يعقوب يأخذون العطاء في كل أربعة أشهر، لا يخل ذلك من أمرهم؛ فأبطأ في مدة أبي عبد الله هذا عنهم العطاء، وخصوصًا في هذه السفرة، فنسبوا ذلك إلى الوزراء؛ وخرجوا وهم كارهون؛ فبلغني عن جماعة منهم أنهم لم يَسُلُّوا سيفًا ولا شرعوا رمحًا ولا أخذوا في شيء من أهبة القتال؛ بل انهزموا لأول حملة الإفرنج