فيؤمنني ويدعني في بلدي! فقال له اليهودي: يا مولاي، لا تفعل، فما آمنهم عليك! وجعل يحلف له بكل يمين يعتقده، أنه لو أقام عنده بقية عمره ما أَمَلَّه ذلك ولا ثقل عليه؛ فأبى إلا الخروج، فخلى بينه وبين ذلك؛ فخرج حتى أتى دار ذلك الكاتب بغَلَس1، فاستأذن عليه فأذن له، فلما دخل عليه رحب به وأدنى مجلسه، وسأله أين كان في هذه المدة؟ فقص عليه قصته مع اليهودي، ثم قال له: اشفع لي عند هذا الرجل حتى يؤمنني في نفسي ويَمُنَّ عليَّ بتركي في بلدي! فوعده بذلك، وركب من فوره ودخل على الحكم، فقال له كل ما سمع من طالوت، ووشى به إليه؛ فأحضره الحكم إليه فعنفه ووبخه، فقال له طالوت: كيف يحل لي أن أخرج عليك، وقد سمعت مالك بن أنس يقول: سلطان جائر مدة خير من فتنة ساعة؟ قال الحكم: الله تعالى! لقد سمعت هذا من مالك؟ قال طالوت: اللهم إني قد سمعته. قال: فانصرف إلى منزلك وأنت آمن. ثم سأله أين استتر؟ فقال: عند يهودي مدة عام، ثم إني قصدت هذا الوزير فغدر بي! فغضب الحكم على أبي البسَّام وعزله عن وزارته، وكتب عهدًا ألا يخدمه أبدًا؛ فرُئي أبو البسام الكاتب بعد ذلك في فاقة وذل، فقيل: استُجيبت فيه دعوة الفقيه طالوت -رحمه الله تعالى-.