أقول فيها:
يذر الصليب صغيره وكبيره ... فيها جُذاذًا والعلوج جثومُ1
ويحرق الأعداء فيما أضرمتْ ... ويجوب نار الحرب وهي جحيمُ2
لم يبق على خاطري منها لتقادم عهدها وقلة اعتنائي بها سوى هذه الأبيات التي أوردتها؛ فاستحسنها -رحمه الله- وبالغ في الثناء عليها، تفضلًا منه وسؤددًا، وجريًا على سنن الأجواد؛ هذا مع ركاكتها وقلة انطباعها وظهور تكلفها.
ثم علت حالي عنده بعد ذلك -نضر الله وجهه- إلى أن كان يقول لي في أكثر الأوقات: والله إني لأشتاقك إذا غبت عني أشد الشوق وأصدقه! ثم لم تزل حالي معه على هذا إلى أن فارقته -رحمة الله عليه- وهو والٍ على إشبيلية ولايته الثانية.
وكان توديعي إياه -قدس الله روحه- آخر يوم من ذي الحجة سنة 613، ثم اتصلت بي وفاته وأنا بصعيد مصر سنة 617.
لم أر في العلماء بعلم الأثر المتفرغين لذلك أنقل منه للأثر؛ كان يذهب مذهب أبيه في الظاهرية.
... ثم عزله أبو عبد الله وولى بعده أبا عبد الله محمد بن علي بن أبي عمران الضرير، جد يوسف بن عبد المؤمن لأمه؛ وكناه أبا يحيى؛ فكان أبو عبد الله الوزير هذا من أحسن الوزراء سيرة وسريرة، وكان يحضه على فعل الخير بجهده، ونشر العدل حسب طاقته، والإحسان إلى الرعية والأجناد. رأى الناس في أيام وزارته من الخصب وسعة الأرزاق وكثرة العطاء مثل الذي رأوا في أيام أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن أو قريبًا منه.
ثم عزل وولى بعده أبا سعيد عثمان بن عبد الله بن إبراهيم بن جامع....
أولية الوزير أبي سعيد بن جامع
....كان إبراهيم بن جامع جد هذا الوزير من جملة أصحاب ابن تومرت، صحبه من مراكش؛ وكان أصله من الأندلس؛ آباؤه من أهل مدينة طليطلة، ونشأ هو -أعني إبراهيم- بساحل مدينة شريش على البحر الأعظم، بضيعة تسمى رُوطَة، وبها مسجد مشهور بالفضل يزوره أهل الأندلس قاطبة في كل سنة. ثم انتقل إبراهيم هذا