باب الخباء من أعيان الجند خلق كثير، أكثرهم من أعيان الأندلس؛ وخلص إلى أبي يعقوب فطعن تحت سرته طعنة, مات منها بعد أيام يسيرة ...
وتدارك الناس فانهزم الروم راجعين إلى بلدهم بعد أن قضوا ما قضوا، وعبر بأمير المؤمنين النهر جريحًا، فجُعل في مِحَفَّة1 وسِيرَ به.
عاقبة أبي الحسن المالقي الخطيب
وسأل أمير المؤمنين: من كان السبب في حركة الناس على هذا الوجه المؤدي إلى هذا الاختلال؟! فأخبر بما فعله أبو الحسن المالقي؛ فقال يتوعده: سيجني ثمرتها إن شاء الله! فلما بلغه ذلك هرب حتى دخل مدينة شنترين فارًّا بنفسه على ملك الروم ابن الريق؛ فأحسن نزله وأكرم مثواه وأجرى عليه رزقًا واسعًا. ولم يزل عنده مكرمًا إلى أن بدا له من سوء رأيه أن يكتب كتابًا إلى الموحدين يستعطفهم ويسأل من عرفه من أعيانهم الشفاعة له؛ وأدرج في ضمن ذلك فصلاً يذكر فيه ضعف المدينة, وأنهم لو كانوا أقاموا عليها ليلة أخرى أخذوها، ويدلهم على بعض عوراتها مما كان خفي عنهم؛ وقال لملك الروم ابن الريق: إني أحب أن أكتب كتابًا إلى عيالي وأولادي وأخبرهم بسلامتي وأعلمهم إكرام الملك إياي وإحسانه إلي وما أنا فيه من العافية، حتى تطمئن نفوسهم؛ وأريد أن توجه مع الذي يحمله من يَخفره2 إلى أول بلاد المسلمين؛ فأذن له في ذلك وأجابه إليه؛ فكتب الكتاب ...
وكان العلج الموكل به الذي يقوم عليه ويأتيه بكل ما يحتاج إليه، يعرف لسان العرب -إلا أنه لم يكن يتكلم به- ويقرأ الخط العربي؛ فقام أبو الحسن المذكور لبعض حوائجه وترك الكتاب منشورًا، ولم يخطر له أن العلج يعرف شيئًا من لسان العرب ولا يقرأ الخط العربي؛ فلمح العلج الكتاب لمحة، ووقف على الفصل المذكور وفهم مقصوده؛ فمضى حتى دخل على الملك وأخبره الخبر....
وختم أبو الحسن الكتاب ودفعه إلى بعض عبيده؛ فلما خرج العبد بالكتاب وفصل عن المدينة بنحو من مرحلة، أمر بالقبض عليه هناك وأخذ الكتاب منه؛ فلما أتي بالكتاب فتحه وجمع المسلمين الذين بالمدينة وألقى إليهم الكتاب وأمرهم بقراءة ذلك الفصل المذكور؛ واستحضر أبا الحسن، وقال لترجمانه: قل له: ما حملك على ما صنعت مع إكرامي لك وبري بك؟! فكان من جوابه أن قال: إن برك بي وإكرامك