ولما تم خلع محمد في التاريخ المذكور، بعد اتفاق من وجوه الدولة على ذلك، دار الأمر بين اثنين من ولد عبد المؤمن: يوسف، وعمر، وهما من نبهاء أولاده ونجبائهم1 وذوي الرأي والغَناء2 منهم، فأباها عمر منهما وتأخر عنها مختارًا؛ وبايع لأخيه أبي يعقوب، وسلم له الأمر؛ حمله على ذلك فرط عقله وإيثار دينه وحب المصلحة للمسلمين؛ لأنه يعلم من نفسه أشياء لا يصلح معها لتدبير المملكة وضبط أمور الرعية. فبايع الناس أبا يعقوب، واتفقت عليه الكلمة؛ فلم يختلف عليه أحد من الناس من إخوته ولا غيرهم. وذلك كله بحسن سعي أبي حفص عمر بن عبد المؤمن، وشدة تلطفه، وجودة رأيه. فاستوسق لأبي يعقوب هذا أمره، وتمت بيعته في التاريخ المذكور. وكان الساعي فيها والقائم بها ومديرها إلى أن تمت -كما ذكرنا- أخوه لأبيه وأمه، أبو حفص المتقدم الذكر.
وأبو يعقوب هذا هو يوسف بن عبد المؤمن بن علي؛ أمه وأم أخيه أبي حفص، امرأة حرة اسمها زينب ابنة موسى الضرير. كان موسى هذا من شيوخ أهل تينمل وأعيانهم، من ضيعة يقال لها: أنسا، وكان عبد المؤمن يستخلفه على مراكش إذا خرج عنها، وكانت مصاهرته إياه أيام كان عبد المؤمن بتينمل، برأى ابن تومرت. وخلف موسى هذا من الولد الذكور ثلاثة: إبراهيم، وعليًّا، ومحمدًا، وبنات.
صفة أبي يعقوب
كان أبيض تعلوه حمرة، شديد سواد الشعر، مستدير الوجه، أفْوَه3، أعْيَن4،