أخبرني الفقيه المتفنن أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أبي جعفر الوزير، عن أبيه, عن جده الوزير أبي جعفر، قال: دخلت على عبد المؤمن وهو في بستان له قد أينعت ثماره، وتفتحت أزهاره، وتجاوبت على أغصانها أطيارُه، وتكامل من كل جهة حسنه؛ وهو قاعد في قبة مشرفة على البستان، فسلمتُ وجلستُ، وجعلت أنظر يَمْنة وشَأْمة، متعجبًا مما أرى من حسن ذلك البستان، فقال لي: يا أبا جعفر، أراك كثير النظر إلى هذا البستان! قلت: يطيل الله بقاء أمير المؤمنين، والله إن هذا لمنظر حسن! فقال: يا أبا جعفر، المنظر الحسن هذا؟ قلت: نعم؛ فسكت عني، فلما كان بعد يومين أو ثلاثة، أمر بعرض العسكر آخذي أسلحتهم، وجلس في مكان مطل، وجعلت العسكر تمر عليه قبيلةً بعد قبيلة وكتيبةً إثر كتيبة، لا تمر كتيبة إلا والتي بعدها أحسنُ منها؛ جودة سلاح، وفراهة1 خيل، وظهور قوة؛ فلما رأى ذلك التفت إليَّ وقال: يا أبا جعفر، هذا هو المنظر الحسن، لا ثمارك وأشجارك؟.

ولم يزل عبد المؤمن -بعد وفاة ابن تومرت- يطوي الممالك مملكةً مملكةً، ويدوخ البلاد2، إلى أن ذلت له البلاد، وأطاعته العباد.

نهاية المرابطين وآخر من ولي الأمر منهم

وكان آخر ما استُولي عليه من البلاد التي يملكها المرابطون، مدينة مراكش، دار ملك أمير المسلمين وناصر الدين علي بن يوسف بن تاشفين؛ وهذا بعد وفاة أمير المسلمين المذكور حتف أنفه في شهور سنة 537. وكان قد عهد في حياته إلى ابنه تاشفين، فعاقته الفتنة عن تمام أمره، ولم يتفق له ما أمله من استقلال ابنه تاشفين المذكور بشيء من الأمور.

وخرج تاشفين بعد وفاة أبيه قاصدًا تلمسان، فلم يتفق له من أهلها ما يريد، فقصد مدينة وهران -وهي على ثلاث مراحل من تلمسان- فحاصره الموحدون بها؛ فلما اشتد عليه الحصار خرج راكبًا فرسًا شهباء، عليه سلاحه، فاقتحم البحر حتى هلك. ويقال: إنهم أخرجوه من البحر وصلبوه ثم أحرقوه، فالله أعلم بصحة ذلك.

فكانت ولاية تاشفين هذا من يوم وفاة أبيه إلى أن قُتل -كما ذكرنا- بمدينة وهران، ثلاثة أعوام إلا شهرين. وكان قتله سنة 540, وكان طول هذه الولاية لا يستقر به قرار ولا تستقيم له حال، تنبو به البلاد، وتتنكر له الرعية؛ فلم تزل هذه حاله إلى أن كان من أمره ما ذُكر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015