وقوَّدوه على من وحد من لمتونة، ولم يزل وجيهًا عندهم, مكرمًا لديهم -وكان خليقًا بذلك- إلى أن نقلت عنه إلى عبد المؤمن أشياء كان يفعلها وأقوال كان يقولها أحنقته عليه، فتحدث عبد المؤمن ببعض ذلك في مجلسه، وربما هم بالقبض على يحيى هذا؛ فرأى الوزير أبو جعفر أن يجمع بين المصلحتين: من نصح أميره، وتحذير صهره؛ فقال لامرأته أخت يحيى المذكور: قولي لأخيك يتحفظ، وإذا دعوناه غدًا فليعتل ويُظهر المرض، وإن قدر على الهروب واللحاق بجزيرة مَيُورْقة فليفعل! فأخبرته أخته بذلك، فتمارض وأظهر أن ألمًا به، فزاره وجوه أصحابه وسألوه عن علته، فأسر إلى بعضهم -ممن كان يثق به- ما بلغه عن الوزير. فخرج ذلك الرجل الذي أسر إليه فنقل ذلك كله بجملته إلى رجل من ولد عبد المؤمن، فكان هذا هو السبب الأكبر في قتل أبي جعفر المذكور. وأمر أمير المؤمنين عبد المؤمن بتقييد يحيى المذكور وسجنه، فكان في سجنه إلى أن مات!.
ثم كتب له بعد أبي جعفر هذا: أبو القاسم عبد الرحمن القالمي، من أهل مدينة بجاية، من ضيعة من أعمالها تعرف بـ قالم، وكتب له معه أبو محمد عياش بن عبد الملك بن عياش، من أهل مدينة قرطبة.
قضاته
أبو محمد عبد الله بن جَبَل، من أهل مدينة وَهْرَان من أعمال تلمسان. ثم عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بالمالقي، لم يزل قاضيًا له إلى أن توفي عبد المؤمن، وصدْرًا من خلافة أبي يعقوب.
رَجْع الحديث إلى أخبار عبد المؤمن
وكان عبد المؤمن مُؤْثرًا لأهل العلم، محبًّا لهم، محسنًا إليهم، يستدعيهم من البلاد إلى الكون عنده والجوار بحضرته، ويُجري عليهم الأرزاق الواسعة، ويظهر التنويهَ بهم والإعظام لهم. وقسم الطلبة طائفتين: طلبة الموحدين، وطلبة الحَضَر؛ هذا بعد أن تسمى المصامدة بالموحدين، لتسمية ابن تومرت لهم بذلك لأجل خوضهم في علم الاعتقاد الذي لم يكن أحد من أهل ذلك الزمان في تلك الجهة يخوض في شيء منه.
وكان عبد المؤمن في نفسه سَرِيَّ1 الهمة، نزيه النفس، شديد الملوكية، كأنه كان وَرِثها كابرًا عن كابر2، ولا يرضى إلا بمعالي الأمور.