ولما كانت سنة 517 جهز جيشًا عظيمًا من المصامدة جلهم من أهل تينمل، مع من انضاف إليهم من أهل سوس، وقال لهم: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدلين الذين تسموا بالمرابطين، فادعوهم إلى إماتة المنكر، وإحياء المعروف، وإزالة البدع، والإقرار بالإمام المهدي المعصوم؛ فإن أجابوكم فهم إخوانكم, لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وإن لم يفعلوا فقاتلوهم، فقد أباحت لكم السنة قتالهم.
وأمَّر على الجيش عبد المؤمن بن علي، وقال: أنتم المؤمنون وهذا أميركم. فاستحق عبد المؤمن من يومئذ اسم إمرة المؤمنين.
وخرجوا قاصدين مدينة مراكش، فلقيهم المرابطون قريبًا منها بموضع يدعى البحيرة، بجيش ضخم من سراة لمتونة، أميرهم الزبير بن علي بن يوسف بن تاشفين، فلما تراءى الجمعان أرسل إليهم المصامدة يدعونهم إلى ما أمرهم به ابن تومرت، فردوا عليهم أسوأ رد، وكتب عبد المؤمن إلى أمير المسلمين علي بن يوسف بما عهد إليه محمد بن تومرت؛ فرد عليه أمير المسلمين يحذره عاقبة مفارقة الجماعة، ويذكره الله في سفك الدماء وإثارة الفتنة. فلم يردع ذلك عبد المؤمن، بل زاده طمعًا في المرابطين، وحقق عنده ضعفهم. فالتقت الفئتان، فانهزم المصامدة، وقتل منهم خلق كثير، ونجا عبد المؤمن في نفر من أصحابه. فلما جاء الخبر لابن تومرت قال: أليس قد نجا عبد المؤمن؟ قالوا: بلى. قال: لم يُفقد أحد!.
ولما رجع القوم إلى ابن تومرت، جعل يهون عليهم أمر الهزيمة، ويقرر عندهم أن قتلاءهم شهداء؛ لأنهم ذابون1 عن دين الله، مظهرون للسنة؛ فزادهم ذلك بصيرة في أمرهم، وحرصًا على لقاء عدوهم. ومن حينئذٍ جعل المصامدة يشنون الغارات على نواحي مراكش، ويقطعون عنها مواد المعايش وموصول المرافق، ويقتلون ويسبون، ولا يبقون على أحد ممن قدروا عليه. وكثر الداخلون في طاعتهم والمنحاشون2 إليهم؛ وابن تومرت في ذلك كله يكثر التزهد والتقلل، ويظهر التشبه بالصالحين، والتشدد في إقامة الحدود، جاريًا في ذلك على السُّنة الأولى.