وبلغ من حال المعتمد على الله بأغمات، أن آثر حظياته وأكرم بناته أُلجئت إلى أن تستدعي غَزْلاً من الناس تسد بأجرته بعض حالها، وتصلح به ما ظهر من اختلالها. فأدخل عليها فيما أدخل غزل لبنت عَرِيف شرطة أبيها؛ كان بين يديه يَزَع الناس1 يوم بروزه، لم يكن يراه إلا ذلك اليوم. واتفق أن السيدة الكبرى أم بنيه اعتلت، وكان الوزير أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن زهر2 بمراكش؛ قد استدعاه أمير المسلمين لعلاجه؛ فكتب إليه المعتمد راغبًا في علاج السيدة ومطالعة أحوالها بنفسه. فكتب إليه الوزير مؤديًا حقه ومجيبًا له عن رسالته ومسعفًا له في طلبته3. واتفق أن دعا له في أثناء الرسالة بطول البقاء؛ فقال المعتمد في ذلك: من الوافر

دعا لي بالبقاء وكيف يهوَى ... أسير أن يطول به البقاءُ

أليس الموت أروح من حياة ... يطول على الشقي بها الشَّقاءُ4

فمن يك من هواه لقاء حب ... فإن هواي من حتْفي اللقاءُ5

أأرغب أن أعيش أرى بناتي ... عواريَ قد أضر بها الحَفَاءُ6

خوادم بنت من قد كان أعلى ... مراتبه إذا أبدو النداءُ

وطرد الناس بين يدي ممرِّي ... وكفهمو إذا غص الفناءُُ7

وركض عن يمين أو شمال ... لنظم الجيش إن رفع اللواءُ8

يُعنِّيه أمام أو وراء ... إذا اختل الأمام أو الوراءُ9

ولكن الدعاء إذا دعاه ... ضمير خالص نفع الدعاءُ

جُزيتَ أبا العلاء جزاء بَرٍّ ... نوى برًّا وصاحبك العلاءُ10

طور بواسطة نورين ميديا © 2015