أسنى الرتب عندهم. وشعره نبيل المأخذ، وهو فيه حسن المَهْيَع1، جمع بين سهولة الألفاظ ورشاقتها، وجودة المعاني ولطافتها؛ كان منقطعًا إلى المعتمد، معدودًا في جملة شعرائه؛ لم يفد عليه إلا آخر مدته؛ فلهذا قل شعره الذي يمدحه به.
وكان -رحمه الله- مع سهولة الشعر عليه وإكثاره منه، قليل المعرفة بعلله، لم يُجِدِ الخوض في علومه، وإنما كان يعتمد في أكثره على جودة طبعه وقوة قريحته؛ يدل على ذلك قوله في قصيدة له, سيرد ما أختاره منها في موضعه: من الكامل
من كان ينفق من سواد كتابه ... فأنا الذي من نور قلبى أُنفقُ
ولما خلع المعتمد على الله، وأخرج من إشبيلية، لم يزل أبو بكر هذا يتقلب في البلاد، إلى أن لحق بجزيرة مُيُرْقَةَ2، وبها مبشر العامري المتلقب بـ الناصر؛ فحظي عنده وعلت حاله معه، وله فيه قصائد أجاد فيها ما شاء؛ فمنها قصيدة ركب فيها طريقة لم أسمع بها لمتقدم ولا متأخر، وذلك أنه جعلها من أولها إلى آخرها، صدر البيت غزل وعجزه مدح، وهذا لم أسمع به لأحد؛ وأول القصيدة: من الكامل
وضحت وقد فضحت ضياء النِّير ... فكأنما التحفت ببشر مبشرِ3
وتبسمت عن جوهر فحسبته ... ما قلدتْه محامدي من جوهرِ
وتكلمت فكأن طِيب حديثها ... مُتِّعتُ منه بطيب مسك أذْفَرِ4
هزت بنغْمة لفظها نفسي كما ... هُزت بذكراه أعالي المنبرِ
أذنبت واستغفرتها فجرت على ... عاداته في المذنب المستغفرِ
جادت علي بوصلها فكأنه ... جدوى يديه على المُقل المُقْتِرِ5
ولثَمْتُ فاها فاعتقدت بأنني ... من كفه سُوِّغْتُ لَثْم الخنصرِ6
سمحت بتعنيقى فقلت: صنيعةٌ ... سمحت علاه بها فلم تتعذرِ
نَهْد كقسوة قلبه في معركٍ ... وحشًا كلين طباعه في محضَرِ
ومعاطفٌ تحت الذوائب خلتُها ... تحت الخوافق ما له من سَمْهَرِي7