فان قيل قَول الله عز وَجل {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَقَوله {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} يجْرِي مجْرى أَن يَأْمُرنَا بِعبَادة عبَادَة ويشرطها بالاستطاعة وَلَو فعل ذَلِك لم يكن وجود الْعَجز نسخا لِأَنَّهُ قد علق الْعِبَادَة بِشَرْط مَعْلُوم مفصل وَالْخطاب الْمُقَيد بِهَذَا الشَّرْط غير مُتَأَخّر فَلم يكن نسخا كتعليق الْعِبَادَة بغاية مفصلة مثل قَوْله {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} انه لَا يكون وجود اللَّيْل نَاسِخا وَلَا قَوْله {إِلَى اللَّيْل} نَاسِخا للصَّوْم فِي اللَّيْل قيل أَلَيْسَ لَو لم يقل الله عز وَجل {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَلَا قَالَ {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} لَكَانَ وجود الْعَجز دَالا على أَن مثل حكم الْعِبَادَة غير ثَابت فِي ذَلِك الْوَقْت وَلَا يكون ذَلِك نَاسِخا لِأَن النّسخ لَا يثبت بعد انْقِطَاع الْوَحْي وَالْعجز قد يطْرَأ على الْمُكَلّفين بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد وجد الْحَد فِي هَذَا الْموضع والمحدود لَيْسَ بحاصل وَلَا شُبْهَة فِي أَن الْعَجز وَالْمَوْت قد طرءا على بعض الْمُكَلّفين قبل نزُول هَاتين الْآيَتَيْنِ فَزَالَ مثل الحكم الثَّابِت بِالنَّصِّ وَلم يكن ذَلِك نَاسِخا وَقد قُلْنَا فِي الْكتاب إِنَّه يلْزم على الْحَد الْمَذْكُور أَن تكون الْأمة إِذا اخْتلفت فِي الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ وسوغت للعامي الْأَخْذ بايهما شَاءَ وأجازت للمجتهد أَن يَقُول بِأَيِّهِمَا شَاءَ إِذا أدّى اجْتِهَاده إِلَيْهِ أَو قَالَت إِن أَخذ بالْخَطَأ مِنْهُمَا لم يكن ملوما على قَول من قَالَ إِن الْحق فِي وَاحِد ثمَّ اجمعت على أحد الْقَوْلَيْنِ فَلم يسع للعامي الْأَخْذ بِمَا كَانَ يسوغ لَهُ الْأَخْذ بِهِ وَهُوَ القَوْل الآخر وَلَا كَانَ للمجتهد أَن يصير إِلَيْهِ ان يكون إِجْمَاعهم نَاسِخا لِأَنَّهُ دَال على أَن مثل الثَّابِت بنصهم غير ثَابت على وَجه لولاه لَكَانَ ثَابتا مَعَ تراخيه عَنهُ
إِن قيل أهل الِاجْتِهَاد من الْأمة إِذا اخْتلفت على قَوْلَيْنِ فانها لم تنص على جَوَاز الْأَخْذ بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا للعامي وللمجتهد قيل كَيفَ لم تنص على ذَلِك