الظَّن سَوَاء وجد مظنونه أَو لم يُوجد وَقد يُقَال أَيْضا أَخطَأ ظن فلَان إِذا ظن وجود الشَّيْء فَلم يُوجد وَيُقَال أصَاب ظَنّه إِذا وجد مظنونه على حد مَا ظَنّه فالظن يُوصف بِأَنَّهُ صَوَاب على أحد هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة
فاذا ثَبت ذَلِك لم يجز كَون اعْتِقَاد الرُّؤْيَة واعتقاد نَفيهَا صوابين على كل هَذِه الْوُجُوه لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ الْمُخَالف بكونهما صوابين أَنَّهُمَا يتناولان الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ فَذَلِك يَقْتَضِي أَن يكون البارىء سُبْحَانَهُ يرى فِي الْحَالَات وَلَا يرى فِي شَيْء من الْحَالَات وَذَلِكَ يتنافى وَكَذَلِكَ القَوْل فِي كل اعتقادين ضدين لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا يكونَانِ ضدين إِذا تعلقا باثبات وَنفي يَسْتَحِيل اجْتِمَاعهمَا وَكَذَلِكَ الخبران عَن نفي وَإِثْبَات يَسْتَحِيل اجْتِمَاعهمَا لَا يجوز كَونهمَا متناولين للشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع الْإِثْبَات وَالنَّفْي المتنافيين وَكَذَلِكَ الْخَبَر بِأَن الْعَالم قديم وَالْخَبَر بِأَنَّهُ مُحدث وغن أَرَادَ أَن هذَيْن الاعتقادين صوابان على معنى أَنَّهُمَا حسنان أَو قد اصيب بهما التَّكْلِيف لم يجز لِأَنَّهُ إِذا كَانَ أَحدهمَا متناولا للشَّيْء لَا على مَا هُوَ بِهِ فَهُوَ جهل وَالْجهل قَبِيح لَا يتَنَاوَلهُ التَّكْلِيف وَالْخَبَر المتناول للشَّيْء لَا على مَا هُوَ بِهِ كذب وقبيح لَا يتَنَاوَلهُ التَّكْلِيف واما الظَّن الصَّادِر عَن أَمارَة مُجْتَهد فَهُوَ أبدا صَوَاب لِأَنَّهُ متناول لما الْأَغْلَب كَونه فَهُوَ كَذَلِك كَانَ مظنونه أَو لم يكن وَأما أَنه صَوَاب بِمَعْنى أَن فَاعله قد أصَاب مَا كلف فانه إِن كَانَ مَا قد كلف فعله فَهُوَ صَوَاب على هَذَا الْمَعْنى وَإِن لم يُكَلف فعله فَلَيْسَ بصواب على هَذَا الْمَعْنى
فان قَالَ الْمُخَالف إِن الله تَعَالَى كلف أهل الْقبْلَة الظَّن لكَونه يرى أَو لَا يرى واماراتهم هَذِه الْآيَات المتشابهة فالظانون لِكِلَا الْأَمريْنِ مصيبون لما كلفوه من الظَّن قيل إِن الْمَرْء إِنَّمَا كلف الظَّن إِذا تعذر عَلَيْهِ الْعلم وَالْعلم هَا هُنَا غير مُتَعَذر وَأَيْضًا فالمخالفون فِي الرُّؤْيَة وَفِي الْجَبْر وَفِي الْعدْل يَدعِي كل فريق مِنْهُم أَنه عَالم غير ظان فَالْقَوْل بِأَنَّهُم كلفوا الظَّن خَارج عَن الْإِجْمَاع