الْخلاف وَالْإِجْمَاع الصَّادِر عَن اجْتِهَاد وَحكي عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه نقض حكم الْحَاكِم فِي بيع امهات الْأَوْلَاد لوُقُوع الْإِجْمَاع على ذَلِك وَإِن كَانَ بعد الْخلاف وَعَن أبي حنيفَة أَنه لَا ينْقض بِهِ حكم الْحَاكِم وَحكي عَن أبي الْحسن أَن أَبَا حنيفَة لم يخرج هَذَا الْإِجْمَاع من كَونه حجَّة وَلكنه لَا ينْقض بِهِ حكم الْحَاكِم وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الْعُمُوم إِذا خص بعضه أَن مَا دخل تَحت الْعُمُوم بعد التَّخْصِيص لَا يسوغ خِلَافه
وَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة إِن مَا لَيْسَ عَلَيْهِ دلَالَة قَاطِعَة بل عَلَيْهِ أَمارَة فَقَط كَخَبَر الْوَاحِد وَالْقِيَاس فَالْوَاجِب على الْمُجْتَهد أَن يعْمل بِمَا يُؤَدِّيه إِلَيْهِ اجْتِهَاده فَكل مُجْتَهد فِيهِ مُصِيب وَيحل خلاف بعض الْمُجْتَهدين لبَعض وَسَوَاء كَانَ خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس مخصصين لعُمُوم الْكتاب أَو لم يَكُونَا مخصصين لَهُ
وَاعْلَم أَن الْفُقَهَاء يعدون من مسَائِل الِاجْتِهَاد مَا يسْتَدلّ عَلَيْهِ بِالْكتاب كالنية فِي الْوضُوء وَالتَّرْتِيب وَأَن الْوَاو للتَّرْتِيب أَو للْجمع وَأَن الْفَاء للتعقيب وَهَذِه أَدِلَّة مَعْلُومَة وَلَيْسَ فيهم من يسلم أَن ظَاهر الْآيَة مَعَ مُخَالفَة وَأَنه عدل عَن ذَلِك لخَبر وَاحِد أَو قِيَاس فَيكون طَرِيق الْمَسْأَلَة الأمارات فَقَط بل كل مِنْهُم يَقُول إِن الْآيَة تفِيد مَا أقوله اللَّهُمَّ إِلَّا ان يُقَال إِن كَون الْوَاو للْجَمِيع أَن للتَّرْتِيب وَأَن الْفَاء للتعقيب فِي اللُّغَة طَريقَة الأمارات دون الْأَدِلَّة وَهَذَا بعيد وَإِذا ثَبت ذَلِك لم يكن الْفرق بَين مسَائِل الِاجْتِهَاد وَمَا لَيْسَ من مسَائِل الِاجْتِهَاد مَا ذكره وَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِن مسَائِل الِاجْتِهَاد الَّتِي لَا لوم على المخطىء فِيهَا هِيَ مَا اخْتلف فِيهِ أهل الِاجْتِهَاد من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَلَا يدْخل فِي ذَلِك مَا لَيْسَ من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَلَا مَا اتّفق عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَلَا مَا خَالف فِيهِ من لَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد وَلَيْسَ يمْتَنع أَن يكون الْخَطَأ فِي الْفُرُوع الَّتِي عَلَيْهَا أَمَارَات إِن كَانَ لَهُ ثَوَاب أَو يتفضل الله بغفرانه وَهَذَا الْفَصْل يَصح على قَول من قَالَ إِن الْحق فِي وَاحِد فَأَما من قَالَ كل