وَفِي ذَلِك كَونهمَا دَلِيلين وخروجهما من كَونهمَا أمارتين فان قَالُوا مَا عدا الأمارتين لَو قَالَ بِهِ قَائِل لَكَانَ حَقًا أَيْضا وَلَيْسَ يجب نصب دلَالَة على فَسَاده قيل كَلَامه فِيهِ وَلَيْسَ بِحَق أَلَيْسَ لم ينصب الله دلَالَة على إِبْطَاله ليفصل بَينه وَبَين مَا هُوَ أَمارَة وايضا فقولكم إِن مَا عدا الأمارتين لَو قَالَ بِهِ قَائِل لَكَانَ حَقًا يَقْتَضِي أَن يقف كَونه حَقًا على قَول الْمُجْتَهد وَمَعْلُوم أَن قَول الْمُجْتَهد يتبع صِحَة الْعِلَل والأمارات وَهِي كالطرق إِلَى كَون أقاويلهم حَقًا ولأجلها حكمُوا بِمَا حكمُوا بِهِ وَقَوْلهمْ كَانَ على الصَّوَاب دلَالَة قَاطِعَة من الْقَوْلَيْنِ لنقض الحكم بِمَا عداهُ فَلم يسوغ الْفَتْوَى وَالْحكم بِهِ بل كَانَ الإِمَام لَا يولي من يُخَالِفهُ فِي الحكم ولمنع الْعَاميّ من استفتاء من يُخَالِفهُ ولفسق قَائِله لَا يَصح لأَنا قد بَينا أَنه لَيْسَ يجب أَن يكون هُنَاكَ دلَالَة قَاطِعَة إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا وَلَو لزم أَن تكون على نفس الحكم دلَالَة قَاطِعَة تتناوله لما لزم مَا ذَكرُوهُ وَأَيْضًا أَلا ترى أَن كثيرا من الْمسَائِل يسْتَدلّ عَلَيْهَا بِالْقُرْآنِ نَحْو التَّرْتِيب فِي الْوضُوء وَنفي وُجُوبه لِأَن كل فريق يسْتَدلّ بِالْآيَةِ ففريق يَقُول إِن الْفَاء للتعقيب وفريق يَقُول إِن الْوَاو لَا توجب التَّرْتِيب وَذَلِكَ طَريقَة الْعلم وَلم يفسق قَائِله وَقد سَاغَ الْفَتْوَى بِكُل وَاحِد من الْقَوْلَيْنِ على أَنه لَيْسَ كل خطأ دلّ الدَّلِيل عَلَيْهِ فَهُوَ فسق بل قد يكون فسقا وَقد لَا يكون فسقا وَلَا يمْتَنع أَن يكون القَوْل خطأ من الْمُجْتَهد صَوَابا من الْمُقَلّد بِأَن يكون مصْلحَته الْأَخْذ عَن الْمُجْتَهد مخطئا كَانَ أَو مصيبا أَلا ترى أَن الْمُجْتَهد لَو لم يستقص الِاجْتِهَاد وَأَفْتَاهُ بِأول خاطر أَو استقصى الِاجْتِهَاد وَأَفْتَاهُ بِخِلَاف مَا أدّى اجْتِهَاده إِلَيْهِ لَكَانَ الْمُجْتَهد مخطئا والمقلد مصيبا وَلم يجب على الله أَن يظْهر خِيَانَة الْمُجْتَهد حَتَّى لَا يَقع الْمُقَلّد فِي الْمفْسدَة بل قُلْنَا بأجمعنا إِن ذَلِك مفْسدَة من الْمُفْتِي وَأخذ الْعَاميّ بِمَا أفتاه غير مفْسدَة لَهُ وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتنَا إِذا لم يمْتَنع أَن يكون القَوْل خطأ من الْمُفْتِي وَالْعَمَل بِهِ غير خطأ من المستفتي لم يجب أَن يمْنَع الْمُفْتِي من الْفَتْوَى لِأَنَّهُ لَو وَجب أَن يمْنَع