ذَلِك قَوْلنَا إِنَّا نعلم أَن الأولى أَن يكون ممطرا وكما أَن الرجل المتين الدّين الشَّديد التحرج أولى بِالصّدقِ فِيمَا يخبر بِهِ رجل هُوَ دونه فِي الدّين والتحرج وَلَا يجب من ذَلِك أَن يكون الَّذِي هُوَ أَشد تحرجا أصدق لَا محَالة بل قد يتَّفق أَن يكذب فِي بعض أخباره وَيصدق الَّذِي هُوَ دونه فِي التحرج وَكَذَلِكَ القَوْل فِي جَمِيع الأمارات فان قيل أفتقطعون على أَن تِلْكَ الْعلَّة هِيَ عِلّة الحكم فِي الْفَرْع قيل نعم لِأَن معنى قَوْلنَا إِنَّهَا عِلّة حكم الْفَرْع هُوَ أَن عِنْد علمنَا بوجودها فِي الْفَرْع يجب علينا أَن نحرم الْفَرْع إِن كَانَت عِلّة التَّحْرِيم أَو نبيحه إِن كَانَت عِلّة الْإِبَاحَة وَلَيْسَ يلْزم على هَذَا أَن نعلم أَنَّهَا عِلّة حكم الأَصْل لِأَن عِنْد علمنَا بوجودها فِي الأَصْل لَيْسَ يصير الأَصْل محرما علينا وَلَا مُبَاحا لنا بل تَحْرِيمه وإباحته يسبقان الْعلم بوجودها فِي الأَصْل وَلَا يتبعان علمنَا بوجودها فِيهِ وَلَيْسَ يمْتَنع أَن يكون علمنَا بِكَوْنِهَا عِلّة حكم الْفَرْع يسْتَند إِلَى ظننا أَنَّهَا عِلّة حكم الأَصْل لِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن يقف الْعلم على شَرط مظنون كَمَا يقف علمنَا بِوُجُوب التَّحَرُّز من مضرَّة مخصومة على الظَّن لنزولها بِنَا
وَيلْزم الْمُسْتَدلّ بِهَذِهِ الشُّبْهَة مثل الَّذِي ألزمنا لِأَنَّهُ يَقُول إِن الْأمة إِذا اخْتلفت على قَوْلَيْنِ فَكل فرقة مِنْهَا مُصِيبَة من حَيْثُ نظرت فِي أَمارَة صَحِيحَة وَلَو نظرت فِي غير أَمارَة لم تكن مُصِيبَة وَلَا كَانَ لظنها حكم وَلم يدل الله قبل اجتهادها على صِحَة كل وَاحِدَة من الأمارتين وَفَسَاد مَا عداهما بل لَيْسَ على ذَلِك إِلَّا أَمَارَات فقد اقروا بِصِحَّة علتين وَفَسَاد مَا عداهما وَلم تدل دلَالَة قَاطِعَة على أَن كل وَاحِدَة مِنْهَا عِلّة وَأَن مَا عداهما لَيْسَ بعلة فان جَازَ ذَلِك مَعَ أَنه مَعَ فقد الدّلَالَة لَا يَثِق الْمُكَلف بالوصول إِلَى الْعلَّة الصَّحِيحَة دون الْفَاسِدَة فَلم لَا يجوز ذَلِك فِي الأمارة الْوَاحِدَة فان قَالُوا قد دلنا الله تَعَالَى على صِحَة الأمارتين وعَلى صِحَة الحكم بِمَا دلنا بِهِ على أَن كل مُجْتَهد مُصِيب قيل الدَّلِيل يَنْبَغِي أَن يتَقَدَّم الْعلم بالمدلول عَلَيْهِ والمجتهدون إِنَّمَا يعلمُونَ صِحَة كل وَاحِد من الْقَوْلَيْنِ بعد أَن يَقُول بَعضهم بِأحد الْقَوْلَيْنِ وَيَقُول الْبَعْض الآخر بالْقَوْل الآخر وعَلى أَنه يلْزم أَن يعلمُوا صِحَة العلتين بعد اسْتِقْرَار الْخلاف