بِاجْتِهَاد وَبحث طَوِيل وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِذا اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ اجْرِ فَحكم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بعض الْمُجْتَهدين بالْخَطَأ
فان قيل المُرَاد بِهَذِهِ الْأَخْبَار خطأ الْأَشْبَه قيل لَا معنى للأشبه إِلَّا مَا ذكرنَا فِي الأمارة الْأَقْوَى وَمَا عداهُ سنبطله فان قَالُوا المُرَاد بِهِ أَخطَأ نصا لَو ظفر بِهِ لوَجَبَ عَلَيْهِ نقض حكمه قيل إِن كَانَ الْمُجْتَهد قد استقصى طلب النَّص فَلم يُمكنهُ الظفر فَهُوَ مُصِيب عنْدكُمْ وَعند غَيْركُمْ فِي الحكم وَفِي الِاجْتِهَاد لِأَنَّهُ لَا يلْزمه أَن يحكم بِمَا لم يبلغهُ من النُّصُوص وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى الْوُصُول إِلَيْهِ وَإِن لم يستقص النّظر فَهُوَ مخطيء فِي الحكم وَفِي الِاجْتِهَاد وَلَا يسْتَحق عنْدكُمْ الْأجر بل يسْتَحق الذَّم وَلَا يُسمى من لم يبلغهُ النَّص وَلم يتَمَكَّن مِنْهُ بِأَنَّهُ مخطيء للنَّص كَمَا لَا يُوصف من لم تبلغه شَرِيعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ قد أخطأها فان قَالُوا مَعْنَاهُ أَخطَأ حكما لَو حكم بِهِ كَانَ ثَوَابه أَكثر قيل لَا يجوز أَن يكون عدوله عَمَّا ثَوَابه أَكثر إِلَى مَا ثَوَابه أقل من الشَّيْطَان وَقد أضَاف الصَّحَابَة الْخَطَأ فِي ذَلِك إِلَى الشَّيْطَان وَأَيْضًا فان إِطْلَاق قَوْلنَا أَخطَأ فلَان يَقْتَضِي الْعُدُول عَمَّا كلف وَمَتى لم يرد ذَلِك فانه يسْتَعْمل مُقَيّدا فَيُقَال أَخطَأ كَذَا وَكَذَا
فان قَالُوا كَيفَ يسْتَحق الْأجر وَقد أَخطَأ عنْدكُمْ فِي الِاجْتِهَاد وَفِي الحكم قيل إِنَّه مُصِيب فِيمَا فعله من الِاجْتِهَاد مخطىء فِي تَركه الزِّيَادَة على مَا فعله فَهُوَ مأجور على مَا فعله مغْفُور لَهُ تَركه مَا ترك من الِاجْتِهَاد فان قيل قد أغري إِذا بِالتّرْكِ لِأَنَّهُ قد أعلم أَنه لَا مضرَّة عَلَيْهِ قيل إِنَّا نَذْهَب إِلَى أَن كل من علم أَنه لَا مضرَّة عَلَيْهِ فِي الْفِعْل فقد أغري بِهِ أَلا ترى أَن من بشره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ لَا يخْشَى ضَرَر النَّار فِيمَا يَفْعَله لِأَنَّهُ أعلم أَنه إِمَّا أَن يسْقط عَنهُ الْعقَاب بِالتَّوْبَةِ وَإِمَّا بالمغفرة وَمَعَ ذَلِك لَيْسَ هُوَ مغرى على أَن الْمُجْتَهد لَا يكون مغرى لِأَنَّهُ لَا يعرف الْمرتبَة الَّتِي إِذا انْتهى إِلَيْهَا من النّظر غفر لَهُ