فان قَالُوا بِهَذَا الثَّانِي وَرُبمَا فسروا كَلَامهم بِهِ قيل لَهُم فقد أقررتم أَن قَوْلنَا افْعَل مَوْضُوع لشَيْء غير الْإِرَادَة فبينوا انه غير الْوَاجِب حَتَّى يتم دليلكم وَإِن أردتم الأول لم نسلمه لكم فان استدللتم عَلَيْهِ بِمَا ذكرتموه قيل لكم لَا نسلم أَنه لَا فرق بَين قَول الْقَائِل لغيره افْعَل وَبَين قَوْله أُرِيد مِنْك أَن تفعل بل بَينهمَا فرق وَهُوَ أَن قَوْله افْعَل يُفِيد أَن يفعل لَا محَالة ويفيد الْإِرَادَة من حَيْثُ كَانَ الْمُتَكَلّم بِهَذَا الْكَلَام باعثا على الْفِعْل وَلَا يجوز أَن يبْعَث إِلَّا على فعل مَا لَهُ فِيهِ غَرَض وَلَو عزلنا هَذَا عَن أَنْفُسنَا لم نعلم أَنه مُرِيد للْفِعْل وَلَيْسَ كَذَلِك قَوْله أُرِيد مِنْك أَن تفعل لِأَن ذَلِك صَرِيح فِي الْإِخْبَار عَن كَونه مرِيدا وَلَيْسَ بِصَرِيح فِي استدعاء الْفِعْل فضلا عَن أَن يكون مستدعيا لَا محَالة وَأما قَوْلهم إِنَّه لافرق بَين السُّؤَال وَبَين الْأَمر إِلَّا بالرتبة فَالْجَوَاب عَنهُ أَنه لَا فرق بَين الْأَمر وَالسُّؤَال فِي اقتضائهما للْفِعْل لَا محَالة أَلا ترى أَن الْوَاحِد منا إِذا قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لي أَو قَالَ للامير اخلع عَليّ فَإِنَّهُ يجد من نَفسه أَن يطْلب وُقُوع ذَلِك لَا محَالة وَأَن لَا يَقع الْإِخْلَال بِهِ وَإِن أورد ذَلِك على طَرِيق التضرع وَعلم أَن إِيصَال الخلعة إِلَيْهِ تفضل لَا يسْتَحق بالاخلال بِهِ الذَّم فَكَأَنَّهُ يَقُول أَنا أعلم أَن ذَلِك تفضل وَلَكِنِّي أطلب أَن يفعل بِي لَا محَالة أَلا ترى أَن السَّائِل قد يُصَرح بذلك فَيَقُول اخلع عَليّ أَيهَا الْأَمِير وَلَا تخل بالتفضل عَليّ بالخلعة
فان قيل فاذا كَانَ قَول السَّائِل للمسؤول افْعَل هُوَ طلب للْفِعْل لَا محَالة وَكَانَ السَّائِل بذلك طَالبا للْفِعْل لَا محَالة فقد أَرَادَ الْفِعْل لَا محَالة وَإِلَّا لم يكن مُسْتَعْملا للفظة فِيمَا وضعت لَهُ وَقَوْلنَا أَرَادَ الْفِعْل لَا محَالة يُفِيد أَنه أَرَادَهُ وَكره ضِدّه وَتَركه وَفِي ذَلِك كَونه كَارِهًا لِلْحسنِ لِأَنَّهُ قد يكون ضد مَا سَأَلَهُ حسنا وَكَرَاهَة الْحسن قبيحة قيل قد بَينا أَن الْإِنْسَان إِذا سَأَلَ غَيره شَيْئا فقد طلب أَن يَفْعَله لَا محَالة وَيجْرِي مجْرى أَن يَقُول أَعْطِنِي مَالا وَلَا تخل بذلك وَقد يُصَرح السَّائِل بذلك وَلَا شُبْهَة فِي أَن ذَلِك طلب للْفِعْل لَا محَالة والسائل بِهَذَا الْكَلَام طَالب للْفِعْل لَا محَالة أفتقولون إِن من قَالَ ذَلِك يكره ضد