المعتمد (صفحة 631)

وبالنص أُخْرَى جَازَ مثله فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ يحِيل الْعقل ذَلِك فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويصححه فِينَا كَمَا لَا يُصَحِّحهُ فِي زيد وَيمْنَع مِنْهُ فِي عَمْرو وَلِهَذَا جَازَ أَن يجب علينا وَعَلِيهِ الْعَمَل على اجتهادنا فِي مضار الدُّنْيَا ومنافعها

فان قيل إِن اجْتِهَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْتَص بِوَجْه قبح لِأَنَّهُ ينفر عَنهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه إِذا علم أَنه يثبت الْأَحْكَام بِاجْتِهَادِهِ نفر عَنهُ وَالثَّانِي أَنه إِذا ثَبت الحكم بِاجْتِهَادِهِ كَانَ للْعَالم أَن يُخَالِفهُ وَوَجَب إِذا أفتى الْعَاميّ أَن يُخبرهُ وَذَلِكَ أبلغ مَا ينفر عَنهُ الْجَواب انه لَا تنفير فِي إثْبَاته الحكم بِاجْتِهَادِهِ لِأَن الْمُجْتَهد لَيْسَ يجْتَهد من قبل نَفسه لكنه يعْتَقد أَن الله عز وَجل حكم بذلك الحكم وَأَنه اسْتدلَّ بتنبيه الله عز وَجل إِيَّاه فَأَي تنفير فِي الِاسْتِدْلَال على مُرَاد الله عز وَجل وَأما مُخَالفَة الْعَالم والعامي لَهُ فَلَا يجوز كَمَا لَا يجوز مخالفتهما الْإِجْمَاع

إِن قيل لَو وَجب على غَيره الْأَخْذ بقوله وَالْقطع عَلَيْهِ لوَجَبَ ذَلِك لكَونه نَبيا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن يقطع هُوَ على قَول نَفسه لعلمه أَنه نَبِي وقطعه على قَول نَفسه يُخرجهُ عَن ان يكون من جملَة الِاجْتِهَاد المفضي إِلَى الظَّن قيل قد أجَاب قَاضِي الْقُضَاة رَحمَه الله بِأَن كَونه نَبيا يكون دلَالَة لغيره على الْقطع وَلَا يكون دلَالَة لنَفسِهِ قَالَ وَلَا يتنافى ذَلِك وَهَذَا لَا يَصح لِأَن الدَّلِيل لَا يجوز ان يدل مُكَلّفا دون مُكَلّف مَعَ اشتراكهما فِي الْعلم بشرائطه وَلَيْسَ يعلم غير النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من شَرَائِط الِاسْتِدْلَال على أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مُصِيب قطعا مَا لَا يعلم النَّبِي فَكيف يكون كَونه نَبيا دلَالَة قَاطِعَة لغيره وَلَا يكون دلَالَة لَهُ وَنحن نقُول فِي ذَلِك إِنَّه إِذا كَانَ الله عز وَجل إِنَّمَا كلف الْمُجْتَهد الحكم بأشبه الأمارتين ومكنه من الْوُصُول إِلَى ذَلِك بِأَن ينظر النّظر الصَّحِيح فالنبي عَلَيْهِ السَّلَام يعلم من نَفسه الْوُصُول إِلَى ذَلِك لعلمه بِأَنَّهُ قد نظر النّظر الصَّحِيح كَمَا يعلم ذَلِك من غَيره من الْمُجْتَهدين وَغير النَّبِي يعلم ذَلِك من حَال النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لعلمه بِأَنَّهُ مَعْصُوم من الْخَطَأ فِي الْأَحْكَام كَمَا أَنه مَعْصُوم فِيمَا يُؤَدِّيه إِذْ خلاف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015