الْإِنْكَار وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ ذَلِك القَوْل بَاطِلا لكانوا قد اتَّفقُوا على ترك الْإِنْكَار الصَّرِيح وَذَلِكَ لَا يجوز وَذكر قَاضِي الْقُضَاة عَن ابْن الإخشيد أَن قوما قَالُوا إِن أهل الْعَصْر إِذا حكمُوا بِحكم وَحكى عَن غَيرهم من أهل الْأَعْصَار خِلَافه فان كَانُوا كَثْرَة لَا يجوز أَن يظهروا خلاف مَا يبطنوه قدح ذَلِك فِي الْإِجْمَاع وَإِن جَازَ أَن يظهروا خلاف مَا يبطنونه لم يقْدَح ذَلِك فِي الْإِجْمَاع وَهَذَا بَاطِل لِأَن جَوَاز إظهارهم خلاف مَا يبطنونه لَا يمْنَع جَوَاز كَون باطنهم مُوَافقا لظاهرهم فَيكون ذَلِك خلافًا قادحا فِي الْإِجْمَاع
وَأما الْفَصْل الثَّانِي فَهُوَ أَن الْمُجْتَهد من التَّابِعين إِذا حضر مَعَ الصَّحَابَة فِي وَقت الْحَادِثَة فانه لَا يكون قَوْلهم حجَّة إِذا خالفهم وَعم بَعضهم أَنه يكون حجَّة وَإِن خالفهم وَدَلِيل الْأَوَّلين ان أَدِلَّة الْإِجْمَاع لَا تتناولهم إِلَّا مَعَه نَحْو قَوْله {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمتِي لَا تجمع على خطأ وَجرى مجْرى الْحَدث من الصَّحَابَة إِذا كَانَ من أهل الِاجْتِهَاد لِأَن الْإِجْمَاع لَا ينْعَقد من دونه
والمخالف يحْتَج بِمَا رُوِيَ أَن عَائِشَة أنْكرت على أبي سَلمَة بن عبد الرحمن بن عَوْف خِلَافه على الصَّحَابَة فِي بعض الْمسَائِل وَالْجَوَاب أَنه يجوز أَن تكون أنْكرت عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خالفها بعد مَا اتّفقت وَكَانَ اتفاقها سَابِقًا لكَونه من أهل الِاجْتِهَاد أَو لم تكن المسالة من مسَائِل الِاجْتِهَاد وعَلى أَن قَوْلهَا بانفرادها لَيْسَ بِحجَّة
وَأما الْفَصْل الثَّالِث فَهُوَ أَن يُخَالف فِي الْمَسْأَلَة بعض الْمُجْتَهدين مِمَّن لم يشْتَهر بالفتوى كواصل بن عَطاء فانه لَا يكون قَول من عداهُ حجَّة وَقَالَ بعض النَّاس يكون حجَّة لِأَن مسَائِل الِاجْتِهَاد يجب الرُّجُوع فِيهَا إِلَى أهل الِاجْتِهَاد فَقَوْل غَيرهم لَا يُؤثر فِي إِجْمَاعهم كَمَا أَن قَول النُّحَاة لَا يُؤثر فِي إِجْمَاعهم يبين