الْآيَة فَأَما قَوْله تَعَالَى {أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صدقَات فَإذْ لم تَفعلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُم فأقيموا الصَّلَاة} فَلَا يدل على نسخ تَقْدِيم الصَّدَقَة على مُنَاجَاة الرَّسُول لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّوْبَة علينا وَلَا فِي الْأَمر بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة مَا يمْنَع من ذَلِك وَإِنَّمَا يعلم النّسخ من قصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأما الحكمان الضدان فنحو أَن يُوجب الله سُبْحَانَهُ علينا الصَّلَاة فِي أَوْقَات مَخْصُوصَة فِي مَكَان مَخْصُوص ثمَّ يُوجب علينا فِي بعض تِلْكَ الْأَوْقَات صَلَاة فِي مَكَان آخر فَيكون أَحدهمَا نَاسِخا للْآخر
وَالْأَحْكَام المتنافية إِمَّا أَن ترجع إِلَى مُكَلّف وَاحِد أَو إِلَى جمَاعَة والراجعة إِلَى جمَاعَة إِنَّمَا أَن ترجع إِلَيْهَا بِأَلْفَاظ الْعُمُوم وَإِنَّمَا يتم ذَلِك بالعمومين إِذا تَعَارضا وَعلم التأريخ فيهمَا فنعلم أَيهمَا هُوَ النَّاسِخ وَأيهمَا هُوَ الْمَنْسُوخ فَيجب بَيَان كلا الْأَمريْنِ أما التأريخ فقد يعلم بقول ينبىء بِنَفسِهِ عَن التَّقَدُّم وَقد يعلم باسناد أَحدهمَا إِلَى شَيْء مُتَقَدم وَهَذَا الثَّانِي ضروب مِنْهَا أَن يسند أَحدهمَا إِلَى زمَان مُتَقَدم فَيُقَال كَانَ فِي السّنة الْفُلَانِيَّة وَالْآخر فِي السّنة الْفُلَانِيَّة وَمِنْهَا أَن يسند كل وَاحِد من الْحَدِيثين إِلَى غزَاة سوى فِي الْغُزَاة الْأُخْرَى وَيعلم تقدم أَحدهمَا على الْأُخْرَى وَمِنْهَا أَن يسند أَحدهمَا إِلَى فعل مُتَقَدم وَمِنْهَا أَن يرْوى أَحدهمَا رجل تقدّمت رُؤْيَته للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رُؤْيَة رَاوِي الْخَبَر الآخر وانقطعت رُؤْيَته للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رَوَاهُ الْخَبَر الآخر فَأَما إِذا كَانَت رُؤْيَته قد دَامَت إِلَى رُؤْيَة الرَّاوِي الآخر فَلَيْسَ يجب أَن تكون رِوَايَته مُتَقَدّمَة
وَذكر قَاضِي القاضة أَن أحد الْخَبَرَيْنِ إِذا وَافق حكم الْعقل علمنَا أَنه الْمُتَقَدّم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن يكون ابْتِدَاء الشَّرِيعَة جَاءَت بِخِلَاف مَا فِي الأَصْل ثمَّ نسخ ذَلِك بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعقل