يقول ابن دقيق العيد: "كلمة إنما للحصر، على ما تقرر في الأصول، فإن ابن عباس رضي الله عنهما فهم الحصر من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الربا في النسيئة) وعورض بدليل آخر يقتضي تحريم ربا الفضل، ولم يعارض في فهمه للحصر، وفي ذلك اتفاق على أنها للحصر.

ومعنى الحصر فيها: إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما عداه. وهل نفيه عما عداه: بمقتضى موضوع اللفظ، أو هو من طريق المفهوم؟ فيه بحث ... إذا ثبت أنها للحصر: فتارة تقتضي الحصر المطلق، وتارة تقتضي حصرًا مخصوصًا. ويفهم ذلك بالقرائن والسياق.

كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ} [النازعات: 45] وظاهر ذلك: الحصر للرسول - صلى الله عليه وسلم - في النذارة. والرسول لا ينحصر في النذارة، بل له أوصاف جميلة كثيرة، كالبشارة وغيرها ... وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلى) معناه: حصره في البشرية بالنسبة إلى الاطلاع على بواطن الخصوم، لا بالنسبة إلى كل شيء. فإن للرسول - صلى الله عليه وسلم - أوصافًا أخر كثيرة.

وكذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ} [محمد: 36] يقتضي - والله أعلم - الحصر باعتبار مَنْ آثرها.

وأما بالنسبة إلى ما هو في نفس الأمر: فقد تكون سبيلا إلى الخيرات، أو يكون ذلك من باب التغليب للأكثر في الحكم على الأقل" (?).

وعليه فالحصر في الحديث: (لا ربا إلا في النسيئة) الحصر في شيء مخصوص، وهو لا ربا أعظم، ولا أشد من ربا النسيئة، وليس الحصر على الإطلاق، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015