عرفته رجل قليل الاطلاع ولا يفهم الشعر إلا بعنف شديد، فلما سمعت محاضرته عن البحتري ورأيت ما تورط فيه من الأخطاء لم أجد بدًا من تنبيهه إلى عواقب الكسل والتفريط وكتبت عمودًا واحدًا في جريدة البلاغ تحت عنوان "الدكتور طه يخطئ خمس مرات فقط في محاضرة واحدة" فلما ظهرت تلك الكلمة انزعج الدكتور طه أشنع انزعاج، وصارع أصداقاؤه فرجوني أن أكف عنه، وأن أدع تقويمه إلى الأيام ولا سيما وهو رجل أخرجه وزير المعارف من الجامعة وهو يحاول أن يكسب قوته وكشف أغلاطه في جريدة البلاغ قد يصرف عنه طائفة من القراء.

وعندئذ تبينت أن من الذوق أن أترك طه حسين يخطئ كيف يشاء إلى أن تصلح حاله ويستطيع النضال، وذهبت إلى الجامعة الأمريكية لأسمع محاضرته الثانية فلما انتهى من إلقاء الدرس نظرت فرأيته قادما فأسرعت إليه وحييته فلما وضع يده في يدي شعرت بأنه يرتجف ارتجافا عنيفا وكاد يسقط من شدة الاضطراب ولكنه تمالك نفسه وقال:

أنت مخطئ، قلت: صدقت.

ولما خرج الدكتور طه1 أقبل تلاميذي بالجامعة الأمريكية وقالوا هاتفين: كيف تسكت عن مناقشة الدكتور طه وتعترف بأنك مخطئ وأنه مصيب؟ فقلت: انتظروا حتى أشتري بخمسة تعريفة ذوق وأوزعه عليكم, أتظنون أن أدبي يسمح لي بملاحاة طه حسين أمام الناس؟ إن مكان ذلك في جريدة البلاغ, ثم علمت أن الدكتور طه راح يزهو ويختال ويقول: إنه فند مزاعم زكي مبارك على رءوس الأشهاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015