ومن أعظم ما شاهد أهل الأندلس منه أن يده اليمنى بطلت فأطلق الله يده اليسرى، فكتب بها دواوين لا تحصى كثرة، كمسند البزار وغيره، كما كان يكتب بيده اليمنى وأحسن. توفي رضي الله عنه بمالقة وهو يتولى الأحكام، ويدرس العلوم سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
وأنشدني قال: أنشدني الإمام العالم أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عطية المحاربي لنفسه، يعاتب بعض إخوانه:
وكنتُ أظنُّ أنَّ جبالَ رَضْوَي ... تَزول وأنَّ وُدَّك لا يَزولُ
ولكنَّ القلوبَ لها انقلابٌ ... وأحوال ابنِ آدم تَستحيل
فإن يَكُ بيننا وَصْلٌ جَميل ... وإلا فليكُن هَجرٌ جميل
وقد سمعت هذه الأبيات من الفقيه أبي محمد عبد الحق، ابن قاضي مالقة أبي مروان عبد الملك بن بونة العبدري، قال: أنشدنا الإمام أبو بكر غالب لنفسه أيضا يحذر من خلطة الناس:
جفوتُ أناساً كُنتُ آلفُ وصلَهم ... وما بالجفَا عند الضرورةِ من باَسِ
بلوتُ فلم أحمدَ فأصبحتُ يائساً ... ولا شَيَء أشْفَى للنُّفوس من الياس
فلا تَعْذلوني في انقبِاضي فاِنني ... رأيتُ جميعَ الشَّرِّ في خِلْطة الناس