فلما أتم القصيد بالإنشاد خجلوا وافترقوا عنه.

وأقام الغزال في رحلته تلك مدة يتجول في ديار المشرق، وما انفك في كل قطر منه من غريبة يطلعها، وطريقة يبدعها؛ ثم إنه رجع إلى نفسه، وحن إلى مسقط رأسه؛ وانصرف إلى الأندلس وهو قد ترك شرب الخمر وتزهد في الشعر وشارف الستين، وركب النهج المبين؛ ولم ينسك نسكا أعجمياً، بل ظرف ظرفا أديبا، وسلك مسلكا من البر مرضيا وقال في جارية اشتراها واسمها لعوب، وقد أراد منها أمراً فعجز عنه اليعبوب:

لم أنْسَ إذ برزتْ إلىّ لَعوبُ ... طَرَباً وحيثُ قميصُها مَقْلوبُ

وكأَنَّها في الدَّار حين تعرَّضتْ ... ظَبْيٌ تَدلَّه بالفَلا مَرْعوب

تَفتَرُّ عن دُرّ تَناسقَ نَظْمُه ... فيه لَثَاةٌ عَذْبةٌ وغُرُوب

حاولتُ منها رَشفْةً فكأنها ... عَسَلٌ بماءِ سَحابةٍ مَقْطوب

ودَعْتك داعيةُ الصِّبا فتطرَّبتْ ... نَفسٌ إلى داعِي الضَّلال طَرُوب

وظننتَ عهدَك عهدَها في الدَّهر إذ ... فَيْنانُ غُصنك بالشَّباب رَطيب

فجريتَ في سَنَن الصِّبا شأواً وقد ... وزَعْتك عنه كَبْرةٌ ومَشِيب

وحسبتَ صاحبَك الذي هو ذاك إذ ... تدعُوه مَهما شِئْتَه فَيُجيب

قد كان لا يَنْبو إذا جَرَّبتَه ... فالآنَ أحداثُ الزّمان تَنُوب

لمّا رأتْ ذاك الذي تَنْحُو له ... سَمَحتْ فمالَ على الكَثِيب قَضِيب

وتأوَّدتْ خُمصانةٌ بَهنانَةٌ ... كالفَجْر يعلوه دُجًى غرْبيب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015