فشكا للسلطان الغزال وعرض هجوه عليه، وما قذفه به ونسبه من الفحش إليه. فأمر السلطان بنفيه عن الأندلس. فكلمه فيه أكابر أهل دولته فتركه. ثم إن الغزال لم يطب نفساً بالمقام في الأندلس فرحل إلى العراق، وذلك بعد موت الحسن بن هانئ بمدة يسيرة، فوجدهم يلهجون بذكره ولا يساوون شعر أحد بشعره. فجلس يوماً مع جماعة منهم فأزروا بأهل الأندلس، واستهجنوا أشعارهم؛ فتركهم حتى وقعوا في ذكر الحسن، فقال لهم: من يحفظ منكم قوله:
ولمّا رأيتُ الشَّرب أكْدتْ سماؤْهم ... تأبّطتُ زِقِّي واحتسبْتُ عَنَائِي
فلمّا أتيتُ الخَان ناديتُ ربَّه ... فهبَّ خَفيفَ الرّوح نَحْو نِدائي
قليلَ هُجوعِ العَينِ. إلاّ تَعِلَّةً ... على وجَلٍ منِّي ومن نُظَرائي
فقلتُ أذِقْنيها فلمّا أذاقني ... طَرحْتُ إليه رَيْطتي ورِدائي
وقلت أعِرنْي بِذْلَةً أستَتِرْ بها ... بذَلْتُ له فيها طلاقَ نِسائي
فو الله ما برَّت. يَمينِي ولا وفَتْ ... له غَير أنِّي ضامِنٌ بوفائي
وأبتُ إلى صَحْبي ولم أكُ آئباً ... فكُلٌّ يُفدّيني وحَقّ فِدائي
فأعجبوا بالشعر وذهبوا في مدحهم له كل مذهب. فلما أفرطوا قال لهم: خفضوا عليكم فإنه لي. فأنكروا ذلك. فأنشدهم قصيده الذي أوله:
تداركُت في شُرب النبيّذ خَطائي ... وفارقت فيه شِميتي وحَيائِي