ولنرجع إلى ذكر الغزال، فإنه لما أنشد نود الشعر وفسره الترجمان لها، ضحكت منه وأمرته بالخضاب. ففعل ذلك الغزال، وغدا عليها يوماً ثانيا. وقد اختضب؛
فمدحت خضابه وحسنته عنده، ففي ذلك يقول الغزال:
بكَرتَ تُحًسِّنُ لي سَوادَ خِضَابي ... فكأنّ ذاك أعادني لشَبابِي
ما الشَّيبُ عندِي والخضابُ لواصفٍ ... إلاّ كَشَمس جُلِّلت بضَباب
تَخْفَى قليلاً ثم يَقْشَعها الصَّبا ... فيصيرُ ما سُتِرت به لذَهاب
لا تُنكري وضَح المَشيب فإنّما ... هو زَهْرَةُ الإفهام والألبْاب
فلديّ ما تَهويْن من شأن الصّبا ... وطلاوة الأخلاق والآداب
ثم انفصل الغزال عنهم، وصحبه الرسل إلى شنت يعقوب بكتاب ملك المجوس إلى صاحبها. فأقام عنده مكرما شهرين، حتى انقضى حجهم، فصدر إلى قشتالة مع الصادرين، ومنها خرج إلى طليطلة حتى لحق بحضرة السلطان عبد الرحمن بعد انقضاء عشرين شهرا
ومن قوله أيضا المتفق عليه في جميع الروايات:
يَا راجياً وُدَّ الغَواني ضِلَّةً ... ففؤادُه كَلَفاً بهنَّ مُوَكّلُ
لا تَكلَفنّ بوصْلِهنَّ فإنما ال ... كَلِفُ المحبُّ لَهن من لا يَعقل
إنّ النساَء لكالسُّروجِ حقيقةً ... فالسّرجُ سرجُك ريثما لا تنزل