لهم: لا خوف إن شاء الله تعالى ولا حذر، ولا ضرّ ولا ضرار ولا ضرر، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم مصاحبٌ لنا في السفر، فلمّا سرنا هبّت الرياح، فتنفست من تلك الكرب الأرواح، وعاودها الروح والارتياح، وكان هبوبها من طلائع الرحمة، ومقدمات كشف الغمة، ثم أبرقت السماء فسلت مذهب نصولها، ورعدت فضربت مبشر طبولها، وجعل السحاب يعبىء كتائبه، والرباب يرتّب مواكبه، ثم ترادف البرق والرعد، وأنجز بالإغاثة بالغيث الوعد، ثم صوّب صوب الغمام سهامه، ثم لبس الجو لحرب المحل لأمَه، فلم يبق قطر إلاّ وقد نفذت فيه تلك السهام، ولا أفق إلاّ وقد علاه من خيوط الوَدْق مثل القتام، ثم تتابع رشق القطر، واتصل الهمل والهمر، وسالت الأودية كالأنهار، وجرت السيول تحت أرجلنا متواترة التيّار، وانشقت السماء بصاعقة، لم تزل القلوب منها وجلة خافقة، وسقطت في البحر كالشهاب في سرعة مروق النشاب، ثم لم تلبث السماء أن أقلعت، والأرض أن شربت ماءها وبلعت، والسحب أن تكشفت وتقشعت، وعاد الفصل إلى طبعه، ورجع الوقت إلى وضعه، وكان النهار قد عزم على الرحيل، ورفل في برد الأصيل:
وبدا لنا تُرسٌ من الذَّهب الذي ... لم يُنْتَزَعْ من مَعْدن يتعَمُّلِ
مرآة تبر لم تُشَنْ بِصياغة ... كلا ولا جُليتْ بكفِّ الصَّيْقَلِ