ليلة الأحد سادس عشر الشهر سروة فوصلنا مدينة قُونِيَة ضحوة، والشمس قد اكتسبت بعد ضعفها قوة، وانجلت في حللها المذهبة أجمل جلوة، وارتقت من أوجها ذروة، وارتفعت عن مشرقها قدر غلوة، ومن متن برجها صهوة، وكست الأرض والجبال من رونق ضيائها أحسن كسوة، ومدينة قُونِيَة مدينة غرّاء وأرض خضراء، ذات تربة زكية، ونفحة ذكية، ورياض أنيقة،
وأشجار نضرة وريقة، ومحيا صبيح، وترتيب مليح، أسواقها مرضية، وخاناتها فضيّة، ومساجدها وضيّة، وعيشتها رضية، وزمانها ربيع، وجنابها رفيع، ونسيمها وان، وجنانها دان، وقاطنها بحبها عان، وليس لها في مزية الحسن بين البلاد القرمَانيّة ثان، وبها مساجد متعددة، وعمارات متجددة، وجامع عتيق، ذو معهد أنيق، وبناء وثيق، ومقام رجل مشهور بالولاية يقال له ملا خنكار، يقام عنده وقت كل جمعة يضرب فيه بالدف والمزمار، ويحيط بها سور عظيم، ذو بناء قديم، به شخوص وأشباح، وجسوم تكاد تنطق لولا فقدها الأرواح، وعلى بعض أبوابها صورة إنسان، متصلة أقدامه ببعض حجارة البنيان، فهذا هو المنكر الذي لا نرضاه ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، وهي الآن سرة بلاد قرمان، وقد كانت تخت الملك في قديم الزمان، وقد انتشأ بها جماعة من الصُّوفيّة، ومن أئمة الفقهاء الشَّافِعيّة والحنفيّة، ومنهم شيخ الإسلام فخر القضاة والحكام (القاضي علاء الدِّين وولده العَلاَّمة محبّ الدِّين وشيخ الصُّوفيّة الإمام صدر الدِّين أعاد الله تعالى من بركاتهم علينا وعلى المسلمين)، فنزلنا خارجها بمرج من تلك المروج، به ربيع تمور به الريح وتموج، وبعض غدران مياه