ولابن الأبّار:
ونَهْرٍ كما ذابَتْ سَبَائكُ فضَّةٍ ... حكى بمِحَانيهِ انْعِطَافَ الأراقِمِ
إذا الشَّفَقُ استوْلى عليهِ احْمِرارُهُ ... تَبَدَّى خَضيباً مثل دَامي الصَّوارمِ
يمر ببلاد السيس بين تلك الجبال والشعوب، ثم يسير في حدود بلاد الرُّوم من الشمال إلى الجنوب في وداة وجبال وتلال حتى يمر بالمَصِّيْصَة من جهة الشَّمال، ويسير بجوانبها من مشارقها إلى مغاربها، فلما وافيناها وحللنا بها نزلنا بها في علوة، وذلك يوم السبت ضحوة، يصاحبنا الهواء الرطب ونسيمه، والأرج العنبري
وتقسيمه، والنفس النجدي الذي هو في الصحّة شقيقه وقسيمه، في ظل شجرة بُطْم في غاية الكبر والعظم، كثيرة الأغصان، غزيرة الأفنان، يكاد يستظل بظلها أكثر من ألف إنسان. ذات طول عظيم وقوام قويم، يرجع عن بلوغ طرفها طرف العين كليلا، ولا يشفى من نظره لأعاليها عليلا، ولا يروى من ترائيهِ لأقاصيها غليلاً، وقد قسنا أصلها باليدين فكان أربعة باعات وشبرين، قد فاقت الأشجار طيباً ونضرة وعظماً، فيا لها من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فهي من أغرب ما عايناه وأعجب ما شاهدناه، وقد جرى في نعتها والقريحة جامدة، ونيرانها بعد ذكائها وتوقدّها خامدة، ما تمثله الجنان ونطق به اللسان ورقمه البنان، وهو قولي: