وقد نَسَجتْ كفُّ النَّسيم مُفَاضةً ... عليه وما غَيْرُ الحُبَابِ لها حَلَقْ
فنزلنا هناك كيما نستريح ونقيل، ونزيح علل الرفاق والدواب ونزيل، ثم أخذنا في التحميل والترحيل، وسرنا نحثّ في المسير والرحيل، فوصلنا منزلة يغره وقد تضمخت صفحات الربى بخلوق الأصيل، وأرْزَمَت المطايا على الدعة أرْزَام الفَصيل، بعد أن قطعنا جسرها الطويل، وهو جسر محكم البناء متّسع الفناء لكنه
تهدم من طول الزمان، وعليه مكتوب عمارة مولانا السُّلطان الملك الأشرف قايتباي، تغمده الله بالرحمة والغفران، فبتنا بها تلك الليلة، وهي ليلة الخميس، فلما تبسّم وجه الشرق بعد التعبيس، وآذن روح الصبح بالتنفيس، رحَّلنا الخيل والبغال عوضاً عن حمر النعم والعيس، ثم سرنا ذلك النهار وهو سادس شوال جامعين بين الاعتكار والتَغْليس، في عقاب من عقبات، وحدر من مهاوي حدرات، وغياض وأشجار، وفياف وقفار، ومهامةٍ ينقطع فيها الرفيق عن الرفيق، ومسالك غاية في السعة وأخرى نهاية في الضيق، وكان ابتداءً السير في ذلك النهار:
في بسيطٍ من الفيافي إذا ما ... سابقَ الطرفُ فيه عادَ حسيرا
وانتهينا إلى عقاب وجدنا ... في ذراها من العقاب كثيرا
وسلكنا ما بين حَزْنٍ وسَهْل ... وقطعنا دماثياً ووعورا