حلب

ثم تجلى وجهه الأشقر، وتبلج ضاحكاً وأسفر، ثم تطلعت عين الشمس ومدت حبالها الشديدة المَرْس، الحاكية في لونها لون الوَرْس، ثم ارتفعت وعلت، وفارت

قدرها وغلت، وتزايد حرّها، واتقد جمرها، فتراءى لنا حينئذٍ وجه حَلَب من بعيد، وفارقنا القاضي من مقام الشيخ سعيد، (فيا له من فراق سعيد، ورأي سديد، وأمر حميد، ثم قصدنا باب المقام الحميد) ودخلنا مدينة حَلَب بسلام، وذلك يوم الأربعاء سابع عشرين شهر الصيام، ونزلنا في زاوية الشيخي الإمامي الكبيري العارف بالله تعالى، الشيخ حسين البيري رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه، فتلقانا ولده صديقنا وصاحبنا، ذو الدِّين الثخين، والورع المتين، والعقل الرصين، الشيخ العالم الفاضل أحمد أبو العباس شهاب الدِّين، ولم يصدق بالقدوم والحضور من عظم ما حصل عنده من السرور، ولم يعرفنا إلاّ من قريب، فقابلنا حينئذٍ بالترحيب وتلقانا بالتقبيل والتعنيق، وبكينا فرحاً بجمع الشمل بعد التفريق، ثم أفرد لنا ثلاثة أمكنة فضية متسعة مستحسنة، منها مكان مشرف أنيق، مشرف بشبابيك على الطريق، فجزاه الله عنا الجزاء الحسن، وأمدَّه بوافر الجود وكامل المنن (بمنه وكرمه) آمين.

وقد كان هو اجتمع بي في دِمَشْق مدة مديدة، وقرأ عليَّ فيها كتباً عديدة، وأعطيته نسخة بتأليفي المُسمّى بالدُّر النضيد في أدب المفيد والمستفيد، وكَتَبَ بخطه تأليفي المُسمّى بالبرهان الناهض في نية استباحة الوطيء للحائض، وقرأ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015