فدموعها تحيى الرياضَ بها ... ودموع عيني أحرقت قلبي

ولك أن تنشد:

باتت تحِنّ وما بها شَجَني ... وأحنّ من شوق إلى وطني

فدموعها تحيى الرياضَ بها ... ودموع عيني أحرقت بدني

ومدينة حَمَاة هذه من أحسن بلاد الشَّام، وألطفها، وأملحها، وأظرفها، وأنزهها، وأترفها، وبها قلعة شامخة، عالية باذخة، حصينة مانعة، مكينة واسعة، مليحة الأبراج والأبواب، لكنها الآن خراب، وبالمدينة جوامع ومساجد ومآثر ومعاهد ذات بهاء ورونق، ومعظمها منقوش البناء بالحجر الأبلق، مستدير بها العاصي على غالبها من الشرق والشمال، وتتناوح فيها مهاب رياح الجنوب والشمال، وتحفّها بساتين من غالب الجهات، وروضات طيبة النبات ذات ظل ظليل وماء سلسبيل، تنساب بها الجداول انسياب الأراقم بكل سبيل، وتهدي حياة النفوس تحيات أنفاسها الصحيحة بنسيمها العليل، وتتجاذب نواعيرها وهي من ألم الأحزان باكية، ومن تزايد الوجد والأشجان شاكية، كيف وقد فارقت من الأغصان مآلِف، ومن الرياض معاهد ومقاصف، ومن الحمام الهواتف مقاعد للسمع ومواقف، ودارت طائعة في خدمة العاصي، وسقت بما يجري من عيونها الداني من الأرض والقاصي، فلا غرو أن هيجت بحنينها الأحزان، وذكّرت الغريب حنين أهله فأثارت عنده لواعج الأشجان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015