فأولها وأوسطها عناء ... بلا فصل وآخرها فناء
ومع هذا فالغبطة بها شديدة، والآمال فيها مع العلم بأنها دار البلى جديدة، حتّى كان حقيقة ما يعلم من استحالتها ارتياب، والرحلة عنها إليها إياب، لقد حُقَّ أن يرفضها البصير، ويستعدّ لما إليه يصير. ونسأل الله في هدايتنا فنعم المولى ونعم النصير، ألهمنا الله طريق إرشادنا، وأعاننا على الاستعداد لمعادنا، وقضى في العاجل والآجل بإسعادنا، إنّه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
فأقمنا بتلك المدينة ذلك النهار بتمامة، ثم ليلة الأربعاء إلى أن كشف القمر عن لثامه، ومدّ نوره على خراب ذلك المكان وأكامه، وبلغ من اعتلائه أقصى غاية مرامه، فأخذنا في التّرحال، وشدّدنا الأحمال على تلك الجمال، فبلغ السير وقت الضحى وانتهى إلى قرية حَسْية وقيلنا بها. ثمّ سرنا قاصدين بلدة قارا، وقطعنا فيافي وقفارا، وبراري وصحارى، إلى أن مال النهار كل الميل، وأقبل الليل إقبال السيل، ومدّ خيامه وسرادقه، وزين بالزهر مغاربه ومشارقه، فوصلنا حينئذٍ تلك المدينة، وحصل بها الاستقرار والطمأنينة، وهذه المدينة مدينة قديمة (البنيان، واسعة الأركان) بها آثار مقيمة، وبعض عمائر عظيمة. سامية الأرجاء، واسعة الفناء، موضوعة على نسبة حسنة في الاعتدال والاستواء، رائقة الموضوع، بديعة المجموع، كوكبها يقظان، وجوها عريان، وروضها فريج، ونسيمها أريج، ما شئت من منظر عجيب، وجانب رحيب، وبسيط خصيب، يزهو بالحسن المحض، والنور